الحديث عن أقسام الوجودية يضعنا أمام مجموعة من الاعتبارات التي على أساسها نميز هذا القسم عن ذاك و هي اعتبارات عدة منها العلاقة مع الوجود الإلهي فنتحدث بذلك من جهة عن اتجاه الوجودية المؤمنة التي تضع الإنسان في علاقة مباشرة مع الله كما ذهب Karl Jaspers (1883/1969)، الفيلسوف الألماني من التيار المؤمن في الوجودية. و كذا الأديب الفرنسي Gabriel Marcel (1889/ 1973) الذي أضفى على الوجودية طابعا مسيحيا تفاؤليا. و من جهة أخرى اتجاه الوجودية الملحدة التي ترى الإنسان وحيدا مهجورا، و التي بدأت مع إعلان Nietzscheعن موت الإله ممتدة إلى Heidegger و منه إلى Sartre. و يمكن بهذا الصدد اعتبار الاتجاهين السابقين اتجاها واحدا ضمن تقسيم آخر يعتمد معطى التأثر بالدين، فيكونان اتجاها أولا متأثرا بالدين سواء بالسلب (الوجودية الملحدة) أو بالإيجاب (الوجودية المؤمنة)، في مقابل اتجاه ثان يتحدد بمعزل مطلق عن الدين و هو اتجاه أغلب الوجوديين الفرنسيين مثل Maurice Merleau-Ponty (1908/1961) الفيلسوف الفرنسي المتأثر بفينومينولوجيا Husserl. التي تسعى إلى تحقيق الرجوع إلى عالم الحياة الأصلي والبدئي و "العودة إلى الأشياء ذاتها".
تقسيم كذلك نورده له علاقة بالمنهج المعتمد للتعاطي مع الوجودية و نجد ضمنه اتجاها يقتصر على التجربة الإنسانية كما فعل "كيركجرد" حيث الوجود واقعة زمانية بعيدة عن المطلق، دون السقوط في التقوقع داخل مذهب جامد. و نجد فيه اتجاها آخر يرمي إلى إقامة انطولوجيا وجودية من أجل بلوغ المطلق كما عند "هيدجر" و "سارتر". و هناك تصنيف آخر باعتبار الموقف من الماهيات و الطبائع؛ فيه فلسفات تؤكد على أولوية الوجود مع حذف الماهيات و الطبائع كما يرى "سارتر"، و فيه كذلك بالمقابل فلسفات تؤكد على أولوية الوجود و لكن مع إبقاء الماهيات و الطبائع. إلا أنه رغم كل هذه الاعتبارات في تقسيم الوجودية يبقى الموقف من الدين حجر الزاوية في تصنيف الوجودية و الوجوديين.
الوجود مع العالم أو كيف نبني جسدا إيتيقيا؟ ـ ادريس شرود
"الوجود في العالم هو وجود من أجل-الموت، أما الوجود مع العالم فهو وجود من أجل-الحياة"
تقديم
راهن مفكرو الحداثة وما بعدها على تحرير الإنسان، وتحقيقه ل"الرضا" بما هو صار مواطنا رضيا؛ أي بما هو صار يحيا في دولة كاملة سماها كوجيف أحيانا "الدولة المطلقة" أو "الدولة المثالية"، كما دعاها أحيانا :"دولة ما بعد الثورة" أو "الدولة النهائية"، أو كما سماها أخيرا "الدولة الكونية المنسجمة"(1). وقد نتجJ عن هذه التسمية تأويلات، انتظمت في إطار تيارات ونزعات إيديولوجية وفكرية حاولت رسم لوحة نهائية لمسيرة الكائن البشري على الأرض. الآن أخذت ألوان وخطوط هذه اللوحة تفقد نورها وحركاتها ومؤثراتها، خاصة مع الإنحطاط المتواصل للحياة، وتزايد خطر التدهور البيئي، وانتشار مرض الحقد والكراهية، أي تحول الكائن البشري إلى "مرض جلد" الأرض. لا يتعلق الأمر فقط بالإنهيار البيولوجي والإيكولوجي، بل بعلامات الإنحدار التي تتبدى في عدم الرغبة في التوافق مع الطبيعة والكون. لهذا وجب حمل هذه العلامات محمل الجد، حتى نعيد لهذا الكائن "المخيف والمقرف" ثقته بالحياة وننسج معه الإيمان بهذا العالم.
1-مهمة الفكر في عصر انتصار كوجيطو التواصل
تنتظم ماهية الفكر في العلاقة الممكنة مع العالم وأشيائه، أي في الإرتباطات والقرانات التي تنشأ بين قوى الأرض والكون، والتي تمكن من بناء وسط أو محيط. إن أمر التفكير لا يتعلق بأصل أو معجزة أو تعال ما، أو تاريخ خاص، بل بمجموع الشروط التي تسمح بإمكانية إبداع شيء جديد. لهذا وجب الأخذ بعين الإعتبار الشروط الحالية لإمكانية التفكير، حتى لا تتكرر تجربة مارتن هايدغر الذي أخطأ الشعب والأرض والعنصر(2). فأن نفكر يقول جيل دولوز، معناه أن نجرب، لكن التجريب يفيد دائما ما هو في طور الإنجاز، أي الجديد والمهم والمثير، تلك الصفات التي تأتي بديلا عن ظاهر الحقيقة وتعتبر أكثر تطلبا منها(3). فالتجريب له علاقة قوية بالراهن، لكن الراهن لا يتحدد بما نحن عليه وإنما بالأحرى بما نصيره، أو نحن بصدد صيرورته، أي الآخر، أي صيرورتنا-آخر، على حد تعبيرميشيل فوكو. لذلك يصير موضوع التفكير ليس هو التأمل في الأبدي، ولا في تفكر التاريخ، ولكن في فحص الصيرورات الراهنة، وفي القدرة على قلب الصورة التقليدية للفكر، وابتكار أنماط وجود جديدة ومحايثة. إن التفكير يهتم بالأمور المهمة والبارزة والمثيرة التي تحدث فعلا، فيصير الإبداع أهم بكثير من المعرفة والتواصل. يبدو أن اكتساح ظاهرة العولمة للأرض وإلغاء الحدود، جعل "آثينا القديمة" تتحول من "سوق عالمية" في ضواحي الشرق، إلى سوق عالمية تتميز بالشمولية، الشيء الذي ألحق انقلابا بمعنى الفكر والتفكير. لهذا أكد دولوز وبلانشو وماسكولو على أهمية التغير الذي أصاب الفكر؛ إذ لم نعد إغريقيين أبدا ولم تعد الصداقة تفيد الشيء ذاته الذي كانت تفيده عند الإغريق.
الإرادة عند أبي نصر الفارابي ـ محمد علوش
سنحاول الحديث عن مفهوم الإرادة عند أبي نصر الفارابي، حيث شكل مفهوم الإرادة موضوعا للنظر الفلسفي من أجل فهمه وتسليط الضوء عليه، وتعتبر مساهمة المعلم الثاني (275-339هــ) في هذا السياق من المساهمات البارزة في الفلسفة الإسلامية، ولقد جاء تصوره لمفهوم الإرادة عبر استلهامه للتراث الفلسفي الإسلامي، وكذا عبر معايشته لواقعه. وسنقسم عملنا هذا إلى قسمين: في القسم الأول سنقف عند التحديدات الفلسفية التي قدمها الفارابي لمفهوم الإرادة. كما سنخصص القسم الثاني للبحث في العلاقة القائمة بين الإرادة والقوى الإنسانية الأخرى.
إن مفهوم الإرادة لم يحظ، في تقديرينا، بالرغم من أهميته، بعناية المشتغلين في حقل الفلسفة الإسلامية، بحيث لم تنشر، في حدود علمنا، أي دراسة متخصصة، تحمل مباشرة مفهوم الإرادة عند أبي نصر الفارابي، باستثناء العمل الذي قام به الدكتور سعيد البسكلاوي، والذي تناول من خلاله مفهوم الإرادة في الفلسفة العربية المشائية، وقد عالج في هذا العمل مفهوم الإرادة، كما تصوره الفلاسفة المحسوبون على التيار المشائي، ولن يعالج المفهوم عند فيلسوف بعينه.
إن غياب الدراسات التي تصب في الموضوع الذي حاولنا الاشتغال عليه، كان من جهة معينة عاملا إيجابيا مكننا من التحرر من آراء الدارسين ومباشرة نصوص الفارابي وآراءه المنبثة في ثنايا أقيسته المنطقية المتماسكة والمنسجمة والنسقية، والتي تحتاج إلى بذل جهد حقيقي للكشف عنها وإخراجها إلى دائرة الضوء، لكن في ثوب محيطها النظري حتى لا تعزل عن سياقها الأصلي.
ينبغي في البداية أن يحطم العلم الرأي ـ ترجمة وتعقيب : د.زهير الخويلدي
الترجمة:
" يتعارض العلم ، في حاجته للاكتمال مثلما في مبدئه، بشكل مطلق مع الرأي.لو يتأتى له ، في نقطة معينة ، أن يُضفي المشروعية على الرأي ، فإنه سيكون من أجل أسباب أخرى غير تلك التي تؤسس الرأي: بحيث يظل الرأي دائما، من جهة الحق، على باطل. الرأي يفكر بشكل سيئ ، انه لا يفكر بتاتا: انه يترجم حاجات إلى معارف. بالنظر إلى تعيينه المواضيع من جهة فائدتها يمنع نفسه عن معرفتها. لا يمكن للمرء أن يؤسس أي شيء على الرأي ، يجب في البداية أن يحطمه. انه العائق الأول الذي يجب تخطيه. فقد لا يكون كافيا مثلا إصلاحه في نقاط محددة، مع المحافظة على معرفة مبتذلة ومؤقتة، مثل نوع من الأخلاق المؤقتة. تمنعنا الروح العلمية من أن يكون لنا رأيا حول الأسئلة التي لا نفهمها، حول الأسئلة التي لم نتمكن من صياغتها بشكل واضح. قبل كل شيء ينبغي أن نعرف طرح المشكلات. ومهما يقولون، لا تطرح المشاكل، في الحياة العلمية، من تلقاء ذاتها. انه بالتحديد هذا المعنى من المشكل الذي يوفر علامة حقيقي بالنسبة للفكر العلمي. كل معرفة، بالنسبة للروح العلمية، هي جواب على سؤال. لو لم يوجد سؤال، فإنه لا يمكن الحصول على معرفة علمية. لا شيء واضح. لا شيء معطى. كل شيء مبني."
(غاستون باشلار ، تكوين الروح العلمي، 1938، طبعة فران، باريس، 1969،ص14.)
رحلة الفيلسوف من تحرير الحقيقة إلى تحقيق الحرية ـ د.زهير الخويلدي
تمهيد:
" من المفيد جدا ، بالنسبة لمن يريد بلوغ الحكمة، أن يكون عقله قد انشغل لبعض الوقت بصورة الانسان الشرير والفاسد بشكل جذري"1[1]
لقد ارتبط السؤال عن المنزلة التي تحتلها الحقيقة في المعرفة العلمية في معظم الأوقات بالتصور العام للواقع الذي يتم التعارف عليه من طرف العقل من ناحية والتفسير المنهجي للطبيعة من ناحية أخرى.
لهذا السبب يبدي التساؤل عن الحقيقة الكثير من التحفظ ويضع جملة من المحاذير أمام كل تعميم متسرع وضد الأحكام الفضفاضة والمواقف الإطلاقية ويحصر اهتمامه بالأطر المختصة وضمن الميادين الدقيقة.
لقد ألهم التفكير في الحقيقة العديد من التأملات الفلسفية، وذلك لالتباس هذا المفهوم وعسر التعرف على ماهيتها وكثرة المناهج التي تزعم البحث عنها. إذ يمكن من جهة الحديث عن قضية صحيحة ولكن يمكن في المقابل الحديث عن صدق مضمونها في إشارة إلى صلة المعرفة بين الأشياء والمثل التي تتجه نحوها.
مفارقة الكذاب الذي عندما يقول : أنا أكذب ، يكون قد قال الحقيقة ، وعندما يقول الحقيقة فإنه يكذب.
لقد تعارض اتجاهان حول تحديد طبيعة الحقيقة ، الأول هو الاتجاه الواقعي الذي يعرف الحقيقة بوصفها تطابق الفكر مع الشيء وذلك بوساطة العقل الإلهي بين العقل البشري والعالم الطبيعي، الثاني هو الاتجاه المثالي الذي يعرف الحقيقة سواء من خلال اتفاق العقول أو بواسطة معيار داخلي يوجد فيها ويسمح بأن تكون عنصرا ضمن مجموع من الحقائق الأخرى في علاقة نسقية على المستوى المعرفي والأنطولوجي2[2].
الإسلام السياسي بالمغرب يسعى نحو تعطيل التفلسف، عبر تكفير الفلسفة وتلحيد العلم ـ عبد القادر لعميمي
1- شتان ما بين الإسلام والإسلام المؤدلج
مشكلتنا اليوم ليست مع دين الإسلام، بل مع الإسلام الإيديولوجي الذي صار ينفي وينسف كل ما بنته الإنسانية من صنائع وإبداعات عقلية.. فبعد النكبة الفكرية والانتكاسة العلمية التي عاشها آباؤنا الفلاسفة والعلماء (ابن رشد وابن باجة وبن طفيل وبن عربي والرازي والخوارزمي والكندي والفارابي والبيروني وابن سينا...الخ) في القرون الوسطى الإسلامية، ها نحن اليوم نشهد بأم العين نفس المحنة ونعاينها بشكل واضح في واقعنا الاجتماعي، لكن بكيفية مختلفة عن تلك التي كانت في الماضي الوسيط.. فالفكر الديني الإسلامي في العصور الوسطى، كان يهاجم المنطق والفكر العقلي بتهم عديدة، أبرزها : الإلحاد، ونتائج هذه التهمة كانت هي : الذبح أو القتل أو الحرق أو التعذيب والجلد حتى الموت. لقد سمعنا أن الفقهاء قد قتلوا الكثير من العلماء والمفكرين، بيد أننا لم نسمع يوما بأن فيلسوفا أو عالما قد قتل فقيها أو رجل دين. إن "شريعة التكفير والتقتيل" هاته ليست من صميم الدين ولا موقع لها داخل الوحي الإلهي، ولكن خوف الفقهاء على مصالحهم الإيديولوجية ورغباتهم المادية، وموقعهم السياسي داخل البلاط، يدفعهم إلى تبني مواقف عدائية من الفلسفة ومن كل العلوم النقدية، يتم تصريفها على أرض الواقع في شكل تهم باطلة ولا أخلاقية تدين الفيلسوف (بذريعة الكفر والإلحاد) وذلك تحت مبرر :"الدفاع عن الدين وقداسته".
2- مغالطات مفهوم الإلحاد في "درس الإلحاد بين الوهم والحقيقة"
درس الإلحاد بين الوهم والحقيقة كما ورد في المقرر الجديد "في رحاب التربية الإسلامية" للسنة الثانية باكالوريا، ليس درسا دينيا بريئا، كما قد يخيل لدى البعض، بل هو درس إيديولوجي مشحون بقيم العنف والتطرف ومعاداة الآخر المختلف. ففي الدرس المذكور تمت الإشارة إلى 04 أنواع للإلحاد وهي :
الإغتراب الإستطيقي في العمل الفني ! ـ خالد العمراني
لقد كان مصطلح الإغتراب يستعمل في البداية في مجال القانون، و كان يدل على التخلي على ربح أو ثروة لفائدة الأخر، كما وظف أيضا في مجال علم النفس بالحديث عن الشخصية المغتربة أو المستلبة الفاقدة لحريتها و وإرادتها التي تجعلها مغتربة عن واقعها الإجتماعي و يحيل الإغتراب كمفهوم فلسفي ظهرت دلالاته الفلسفية من القرن 18 إلى ارتباط وجود الفرد (تبعيته) بعالم الرغبة داخل وضعية محددة و يعرف لغة في المعجم الفلسفي بأنه «البعد عن الأهل و الوطن» و قد أصبح فلسفة متغلغلة في المجالات الحياتية الإبداعية الملازمة للإنسان في عمله سواء المادي الجسدي منها أو المعنوي السيكولوجي، علما أن الإغتراب كفلسفة معاناة للإنسان تطال كذلك الجانب الروحي له" الروح المغتربة " كما يسميها هيجل فعنده مثلا « تشكل لحظة استلاب الفكر مرحلة من مراحل انغماس الروح في الطبيعة، حيث يفقد الفكر حريته. و قد يعني الإغتراب عند الآخرين، النشاط الخاص بالإنسان الذي يسقطه على قوى خارجية، إما على شكل تمثلات دينية (فيورباخ) فيصبح بذلك سجينا لها، و إما من خلال قوة اقتصادية غير خاضعة لإرادته و حريته و لكنها من نتاج شغله ( كارل ماركس )».
و نجد مفهوم الإغتراب من الوجهة الماركسية في علاقة تأثر بالهيجلية تعتبره أي “الإغتراب” فقدان الإنسان لذاته، غريب أمام نفسه، ... وذلك لأسباب متمثلة في الأزمات، حروب ... و الإغتراب عامة يعني فقدان الإنسان شخصيته، أعماله، الذات ... و تعتبر ظاهرة الإغتراب ظاهرة اجتماعية سيكولوجية، مرضية، بل مشكلة إنسانية عامة تعرفها كل المجتمعات .
مادام الإغتراب قد اخترق المجالات الأخرى التي تصاحب حياة الإنسان خاصة ذات البعد الإكسيولوجي من حيث القيم، الخير، الجمال ... التي أخذت طابعا مأزوما من ناحية الإغتراب . و كما لا يخفى على الجميع على أن العمل الفني راهنا قد عرف أزمة من الناحية الجمالية فلم يعد يعرف الجميل و الجليل من قبيحه، ولعل هذا الإغتراب هو الذي دفعنا للتساؤل و للتحليل و الإستفسار عن هذا الإستطيقي المغترب في العمل الفني خاصة و الفن عامة ؟ فما المقصود بإستيطقا العمل الفني؟ وكيف يغترب الجميل من الفن؟ و ما أسباب و ما عوامل الإغتراب الفني ؟ و لماذا العمل الفني و ليس الفن ؟ أي مستقبل للفن في ظل هيمنة الإغتراب الفني في الأعمال الفنية ؟
استهداف الفلسفة، وانحباس التفكير في فضاءات التكفير ـ عبد القادر لعميمي
"دافعوا عن عقولكم كما لو كنتم تدافعون عن أسوار مدينتكم.." (هيراقليطس).
استهلال
إن المتأمل في الفكر العقلي المنطقي، والمتتبع لصيرورته وظروف انبثاقه الزمكانية، يدرك لا محالة حجم الخناق والتضييق اللذين مورسا على هذا الفكر عبر التاريخ، بدءا من الزمن الإغريقي القديم، حيث أزمة الحرية الفردية وانتكاسة العقل الفلسفي مع المعتقدات الإغريقية الوثنية ومفارقات الديمقراطية الأثينية، مرورا بلحظة سيطرة المتعالي اللاهوتي المسيحي، وصولا إلى المحنة الفكرية العربية مع التفكير النقلي الإسلامي المتزمت... تاريخ حافل بالقتل والعنف والنفي والهجوم على العلماء والفلاسفة و الفكر العقلي النقدي. تاريخ بلغت سموم لدغاته جسد حاضرنا وراهننا العربي أيضا.. فاستهداف الحرية الفردية والفكر الفلسفي النقدي والعلوم، متواصل بطرق ووسائل شتى، وعبر قنوات متعددة من بينها : الحس المشترك (أو العوام)، والدين والفتاوى الدينية، والبرامج التربوية، والمخططات التعليمية ذات النفس الإيديولوجي الوهابي، المشحونة بروح التطرف والتدجين الديني.. مسار طويل من المحن والاكتواء، ظل فيه الفلاسفة وأهل العقل يتجرعون كؤوس الألم قطرةً قطرةً، ولا مِنْ رحيم يحس بأوجاعهم أو يفهم مكنونات صدورهم وأفكارهم.. ألآم قاوموها بصبر وأناة، وكل ذلك من اجل بلوغ الأمل : أمل تحقيق الشرط الإنساني، وإعلان الإنسان كائنًا عاقلا، حرا، ومبدعا، يعلو بذاته على كل البهائم والعجماوات.
غير أن المفارقة المؤلمة التي يندى لها الجبين هي أنه وبعدما تمكن الإنسان الغربي من التحرر من سلطة اللاهوت المسيحي، وانعتق من لعنة
في مفهوم الراهن من منظور فلسفي ـ يوسف عدنان
إن مفهوم الراهن يقع أو يتوسط ما هو منتسب للماضي وما هو منفتح على المستقبل، لذلك أحببت أن أخصص هذه السطور المحدودة لمساءلة هذه الأزمنة التي يسافر عبرها ومن خلالها السؤال الفلسفي. لذا فهذه الورقة قد تكتسي صبغة ابستمولوجية ونقدية، تحاول استقراء مفهوم الراهن من داخل نسق المعرفة الفلسفية في حد ذاته، كما قد تلتبس طابعا تجريديا لا هو بمحايث أو ترسندنتالي. وهذا لا يعني الإغراق في التأمل النظري وإتلافا للحلول العملية واليومية المباشرة الخاصة بجدليات الراهن والحاضر، كما تدعو إليه تيمة الموضوع، وإنما هي محاولة لتفتيق معالم رؤيا نقدية للراهن، والذي استبدله في هذه الورقة بمفهوم الحاضر، طالما أن الراهن لا يتمتع بالشحنة الفلسفية اللازمة لمفهمته ضمن نسق المعرفة الفلسفية.
يعدّ السؤال الفلسفي سؤالا ذا خصيصة مرتحلة عبر ثنايا الأزمنة كما نعلم، وهو لا يستكين إلى التحديدات الجغرافية، ولا إلى لغة الحدود، أو حتى قيود المسافات والمساحات المخطوطة سلفا لتساؤلات العقل. وبهذا الشكل فيمكن للفيلسوف أن يمارس "فن الترحال" من مكانه - مقتبسا المصطلح من لسان جيل دولوز الملقوب بفيلسوف الاختلاف - دون الحاجة إلى أن تطأ قدماه العوالم المائزة التي يهاجر إليها تفكيره ويدشنها قلمه الخصوب، راغبا؛ عاشقا في الاستكشاف؛ في المعرفة؛ في الحكمة أو محبتها على الأقل. كما لو أن هناك مدّ سانكروني ودياكروني يحمل السؤال الفلسفي إلى أن يكون فوق الزمن "au de la du temps" .
وبهذا يصعب القول إن الفيلسوف يستحضر الراهن بشكل مفصول عن الماضي والمستقبل، خاصة إذا تعلق الأمر بملامسة إشكالية فلسفيةproblématique philosophique ، لأن الإشكالية وكما لا يغيب عنا تختلف عن الإشكالproblème . فإذا كان هذا الأخير موصول بموضوع معين ينكب عليه تفكير الفيلسوف، نجد الإشكالية تنسحب على تاريخ الفلسفة برمته وتجرّ معها أثقاله وأمتعته النظرية. فمثلا إذا أخضعنا مفهوم الحقيقة للتفكير الفلسفي، تماشيا مع تيمة الموضوع، فهل هناك راهن للحقيقة ؟ بمعنى آخر، هل تؤسس الحقيقة شرعيتها انطلاقا من الراهن؟ أم أن »نظام الخطاب « هو من يعبّئها بمفاعيل النسق، كما أفرد مشروعه الفيلسوف ميشال فوكو.
شذرات فلسفية – نبيل عودة
رؤية
الفلسفة هي الوعي.. وتمثل الأساس النظري لرؤية ومكانة الانسان في العالم. والفلسفة هي الاشارة الأولى لانفصال عالم العمل الذهني عن العمل الجسدي. بمعنى آخر، بالتفكير الفلسفي يمكننا إدراك حقائق عن الكون والحياة عبر إدراك ماهية الأشياء. أي لا يمكن ان ندرك شيئا يفتقد للمنطق. لا يمكن ان نصدق ان الإنسان قادر على الطيران بدون آلة. لا يمكن ان نصدق ان البقرة تلد حماراً. لا يمكن ان نصدق ان هناك إنسانا يعيش على ثاني أكسيد الكربون.
الادراك
الإدراك هو تكوين صورة متكاملة لكل مواصفات الشيء، مثلا طاولة، لها مواصفاتها.. أي اختلاف في الشكل لا يلغي المواصفات.. هذا يعتبر إدراكاً لشيء، أي ان الإدراك يتّسم بالثبات والاستقرار النسبي وهو غير ممكن بدون وعي الانسان.
اللوجيكا
العلم كما تعلمون هو ميدان يبحث في مختلف جوانب الحياة بصفتها نسقاً متكاملاً، وهو أحد أهم ميادين النشاط البشري. لكن للعلم منطقه، منطق العلم... تعبيره اللاتيني "لوجيكا". اذن اللوجيكا هي المنطق العلمي.. والمنطق العلمي يرفض أي منطق آخر لا يعتمد على المعرفة والإثبات المدرك وليس بالاعتماد على اللغو والحكايات والتخيلات مهما كان مصدرها ومهما كان تقييمها عظيماً من البعض.
لا توجد ظاهرة في الطبيعة او الحياة او العلوم أو المجتمع، او عالم السياسة.. لا تفسير لها.. قد يكون تفسيراً ناقصاً، لكن له اسسه التي تقود الى اكتمال معرفة الظاهرة. من هنا اهمية الفلسفة أيضا لأن الفلسفة هي انتصار العقل على النقل والتأويل. اتركوا الحكايات للعجائز، لا شيء يخسرونه ولا شيء جديد يكسبونه. اما ابناء الجيل الجديد فقد يخسرون عقولهم وتقدمهم نحو القمة اذا لم يجعلوا من "اللوجيكا" – المنطق العلمي... مقياسا للحقيقة وقاعدة عقلية في قبول او رفض الطروحات المختلفة.
غياب المصلحة من التفاوت وضرورة الدفاع عن المساواة ـ د.زهير الخويلدي
" اللاّعدالة بالمعنى الخصوصي للكلمة تتمثل في إلغاء المساواة في علاقاتنا مع الأشخاص الآخرين ، أي عدم احترام ما تتطلبه بلورة المساواة بين كل واحدة من حركاتنا وكل واحد من حقوقهم"1[1]
تعتبر مفاهيم المساواة والعدالة والقانون قديمة، اهتم بها أرسطو في الفلسفة الإغريقية وحدد العلاقات بينها بدقة وحاجة الاجتماع البشري إليها والدوائر التي تحضر فيها بشكل مطلق ومجال تغيرها بصورة نسبية.
بشكل خاص يعد مفهوم المساواة القيمة الأساسية للديمقراطيات الحديثة ويتم كذلك التعامل مع المساواة الديمقراطية على أنها تفيد الإقرار بالتساوي بين الناس في التمتع بالحريات العامة والحقوق الأساسية.
بيد أن هذا المبدأ لا يخلو من التباس ويستعمل بطرق مختلفة ويمنح معان عديدة وتحول مفهوم التفاوت من محور المجال السياسي إلى مبدأ المجتمع المدني وتجعل حديث اللاّمساواة في الجمع قد ظهر مع تشكل المجتمع الصناعي الذي عرف تشكل أنساق وشرائح وفئات وظواهر ومجموعات ذات تراتبية متعددة الأبعاد يتعذر تصنيفها وفق نماذج المجتمع الطائفي أو وفق السلم الذي ينقسم اليه المجتمع الطبقي.
إذا كانت المساواة تنطبق على القانون والسياسة والمجتمع ويجوز للفكر أن يشتغل على ضبط معايير المساواة القانونية والمساواة السياسية والمساواة الاجتماعية فإن التفاوت يشمل الاستعدادات الطبيعة والحظوظ ونظم التربية والتعليم وفرص الشغل وملكية الثروات وشروط الاستثمار ومعدلات التنمية.
من المعلوم أن أشكال المساواة تختلف بصورة نسبية عن بعضها البعض وتبدو مستقلة ومقتصرة على دائرتها الخاصة ولكنها في حقيقة الأمر ترتبط بنظام سياسي وقانوني واجتماعي واحد تشكل تاريخيا.