أولا: سياق عام
يندرج أولمبياد مادة الفلسفة في المغرب ضمن الأنشطة التربوية المدرسية غير الرسمية، بحيث لا تنظمه أية مذكرة وزارية ولا يقره لا منهاج تدريس مادة الفلسفة في التعليم الثانوي التأهيلي ولا التوجيهات التربوية الخاصة بالمادة ولا اصلاحات منظومة التربية والتكوين، ولكن في الآن ذاته لا تلغيه ولا تعرقل انجازه. ويعود هذا التقليد إلى مرحلة الثمانينات من القرن الماضي حيث دشنت بعض مجلات الفلسفة مسابقات خاصة بالتلاميذ في الكتابة الانشائية ولا ادل على ذلك تجربة مجلة "الجدل". ومع مطلع الالفية الثالثة وما أقره الميثاق الوطني للتربية والتكوين من ضرورة انفتاح المؤسسات التعليمية والمنظومة التربوية ككل على الأنشطة التربوية وانشطة الحياة المدرسية وتفعيل مبدأ الشراكات كآلية للتسيير، دشن مدرسو الفلسفة أول الأمر تجارب متعددة ومتنوعة للأولمبياد منذ سنة 2009، ساهمت فيها بشكل كبير الثورة التكنولوجيا الجديدة واطلاق الانترنيت للعموم. هكذا دشنت مواقع فلسفية مغربية (نموذج فيلو مغرب سنة 2009 تحت اشراف الأستاذ سعيد إيماني وبعض معاونيه) أولمبياد الانشاء الفلسفي حيث يتم تحكيم الموضوعات واعلان النتائج. ومن تم أطلقت مبادرات الأولمبياد على شكل مسابقات في الكتابة الانشائية الفلسفية طوال سنوات عدة، توجت بمسابقات فلسفية متنوعة موجهة لتلاميذ السنة الختامية من البكالوريا. وفي ثانوية ادريس الحارثي سينطلق الاولمبياد الفعلي ليتطور في نفس المدينة الى أولمبياد جهوي ينعقد كل سنة، وأخذت جهة بني ملال خنيفرة بعد ذلك المشعل والتي دشنت هذه التجربة في نسختها الثانية في ماي 2016 (سبق وأن نظمت مسابقات الأولمبياد في العديد من المدن المغربية منها: الدار البيضاء 2009، ايت بعمران 2010، تارودانت 2012، كلميم 2014، زاكورة 2015...).
تزامن هاجس توسيع التجربة على الصعيد الوطني مع انعقاد المؤتمر الاستثنائي للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة (الجديدة 7 و 8 ماي 2016) بعد عقد ونصف من جمودها وركود نشاطها، بحيث خلص المؤتمر الاستثنائي إلى ضرورة صياغة مشروع وطني لأولمبياد الفلسفة مع مطلع الموسم المقبل.
الحداثة عند عبد الله العروي : معيقات التأخر التاريخي العربي وسبل تجاوزها ـ الحسن المرغدي
تقديم
في سياق الوعي بالوافد الجديد الذي كشف عن صياغة جديدة للتاريخ العالمي ،وأمام إشتداد الوعي بالتخلف ووعي بضرورة مجابهة الركود و الأخطار الجديدة ،وأمام وعي لا يستطيع أن يتجاهل أن عالما جديدا شق طريقه نحو التقدم، أجبر الفكر العربي النهضوي على القراءة الجديدة والطموحة لذاته ولتاريخه .فطرحت أسئلة واعية تبحث عن تحديد حقيقي للذات والهوية ،هل هي أمامنا أم وراءنا ؟ في ماض ناجز،أم في مستقبل نريد تحقيقه ؟هل تكون بقياس الغائب على الشاهد و الإحتماء بالخصوصية الحضارية والقيم التي كانت وراء مجد حضارة العرب.أم تكون في استعادة و استلهام وتبني تاريخ الآخر المتقدم ليحل محل تاريخنا الخاص؟ .
أمام هذا الإختلاف الواقع في كيفية تلقي وإستيعاب الحداثة الغربية، إرتأينا أن نرصد موضوع الحداثة، إنطلاقا من الفكر الفلسفي المغربي، كفكر إهتم بحاضره، وانشغل بهموم زمنه، مشكلاته آفاقه وتطلعاته، خصوصا وأنه إنخرط في الإشكالية المركزية، التي فرضها وضع التخلف العربي، "لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟". فالمفكرين المغاربة أمثال عبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، والخطيبي وغيرهم، جعلوا مشاريعهم الفكرية خدمة لموضوع الحداثة المغربية/ العربية، لكن نظرا لشساعة الموضوع (موضوع الحداثة) ،الذي يتجاوز محدوديتنا كأفراد، وإختلاف شاكلة / صيغة تناوله من طرف المفكرين المغاربة، إرتأينا توخيا للدقة واقتصاد الزمن، الإعتماد/الإكتفاء على أحد المحاولات الجادة والرائدة، في الإجابة على سؤال التخلف والنهضة في العالم العربي، وهي محاولة المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي؛ الذي أقصر جهده للعناية بموضوع التأخر العربي، والتنظير لكيفية تجاوزه،و الذي نشكل نحن الآن رمزا لاستمراره، فالعروي دعا منذ كتاباته الأولى (الإيديولوجيا العربية المعاصرة، العرب والفكر التاريخي...) إلى ضرورة إنجاز ثورة كوبرنيكية في الوطن العربي، ثورة بالمعنى الذي يجعل العرب يتجاوزون تقوقعهم حول ذاتهم، والقيام باستيعاب منطق التجربة الحداثية الغربية، كتجربة أتبثت نجاحها تاريخيا وذات بعد كوني، وتمثل مكاسبها الإنسانية العلمية والعقلانية والحضارية، للدخول في المشاركة الفعلية في عملية التقدم والتطور البشريين، بل ذهب به الإعتقاد، إلى أنه ليس لتقدمنا طريق غير هذا الطريق المشرعة أبوابه " فالحداثة موجة العوم ضدها مخاطرة. ماذا يبقى؟ إما الغوص حتى تمر الموجة فوق رؤوسنا فنظل حثالة، وإما نعوم معها بكل ما لدينا من قوة فنكون من الناجين في أي رتبة كان" ([1]).
تاريخية تفوق الغرب وراهنية الاستئناف ـ د.زهير الخويلدي
استهلال:
" يستطيع المرء ،على أي حال، أن يقول، من أجل أن يكون مفارقا بعض الشيء، أن إحدى مشكلات الإسلام اليوم تعود بالتحديد إلى واقع أن السياسة ليست مقدسة"1[1]
قلما وجد محور أساسي خضع للجدل والمناقشة مثل الإسلام من جهة المعتقد والإيمان والرسالة والدين وكذلك في مستوى الثقافة والتراث والسياسة والتاريخ الاجتماعي للمسلمين. فالهجومات الإيديولوجية التي أثيرت حول العلاقة القائمة والممكنة بين الطرفين غير قليلة ومن مشارب متعددة وموجات الإنكار والذم بينهما لا تحصى ولا تعد فقد تجاوزت مستوى ادعاء التفوق والريادة إلى ممارسة الهيمنة والاستيلاء.
بيد أن الحوار الأكثر صخبا هو ذاك الذي انعقد بين الإسلام والغرب وتشكل مع الحضارة التي ارتكزت على الإغريق والرومان مع الاعتماد على اليهودية والمسيحية في نسخة دنيوية معلمنة وتناسي إسهامات المشرقيين في نحت ملامح الكونية وإجحاف في حق الإسلام وغظ الطرف عن دور المسلمين في الحداثة.
ما يمكن ملاحظته هو وجود تداخل كبير وتشابك متواصل بين الإسلام والغرب منذ القدم إلى حد الساعة وذلك لانتشار الدين الإسلامي والعلوم العربية والثقافة الشرقية داخل الفضاء الجغرافي والسياسي لأوروبا واختراق الثقافة الغربية عن طريق تعدد البعثات التبشيرية والنخب الجامعية والحملات العسكرية والغزو الاقتصادي والاستعمار السياسي والاجتياح الحضاري التي أنتج التبعية والموالاة باسم الأمان والانتداب.
الفلسفة الأولى مع المرحلة الأرسطية ـ محمد بلصفار
الفلسفة الأولى التي سميت بأشراف العلوم والمعارف لكونها النظر في العلل الأولى إذ تبحث عن الحقيقة السامية التي تشغل بال الفيلسوف طيلة مسيرة سؤاله حتى انتقاله إلى جوارها فهي كما اخبرنا الكندي " : أنها أشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى: أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق. ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف التام الأشراف هو المرء المحيط بهذا العلم الأشرف: لأن علم العلة أشرف من علم المعلول[1] " ، فالفلسفة الأولى أو المتافزيقا كما سماها تلميذ أرسطو " اندرونيقوس الرودسي " في القرن الأول قبل الميلاد عندما صنف مؤلفات أرسطو فجاءت تلك النصوص بالتصنيف بعد البحوث الطبيعية ، وفيما بعد أخذ الفلاسفة في العصور الوسطى هذا العنوان ليشيروا به إلى الموضوعات التي ناقشها أرسطو في الميتافيزيقا بوصفها موضوعات تأتى بعد الموجودات الطبيعية ولا تعرف بالإدراك الحسي لأنها تناقش بالعقل المجرد الخالي من الشوائب الحسية لأن الحواس مخادعة وواهمة إذ لا تصل بنا إلى الحقيقة التام والكلية عكس النظر العقلي الذي هو السبيل إلى عالم المثل[i] وقد اختص أرسطو علم ما وراء الطبعة بدراسة الوجود بما هو الموجود والبحت عن العلل الأولى لهدا الوجود .
منظومة التعقيد ضد منظومة التبسيط ـ جواد الشوني
تـــمـــهــــيـــــد
لا وجود ليقين تام بخصوص المعرفة العلمية، كل معرفة تتخللها ثقوب سوداء لا يمكن ردمها، في الليل والضباب علينا أن نراهن، وأن نعي شروط وإمكانيات وحدود المعرفة، وترابطها مهما تضخمت وتعمقت في التخصص، لذلك يرفع فكر التعقيد التحدي بربط المجزأ ووصل المفصل وتحاور التناقض والتعايش معه. لأن معرفتنا بذاتنا والعالم أضحت مشوشة بعدما انهارت أسس التفكير في الكون بانهيار أسس الكون، فنحن لا ندرك العالم بل فقط صورته هذا ما وصل إليه التطور العلمي، فإذا كانت المعرفة العلمية كثيرة ومعقدة في عمقها وتخصصية فإنها جاهلة. لماذا؟ لأنها منفصلة، نحن نعرف ولكن هل نعرف معنى المعرفة؟ نفهم ولكن هل نعي معنى الفهم ووعي الوعي؟ مبرهنة غودل تقول "لا يمكن لنسق مركب مصورن أن يجد في ذاته برهان على صحته" في الواقع علينا الانطلاق من هذا المعطى السالب لصياغة تصور أو خطاطة معرفية نفهم من خلالها العالم.
تبدو الحقيقة بديهية لكن بمجرد ما نحاول أن نسألها تنفجر وتتفرع في اتجاهات ومناحي عدة منها ما يؤدي إلى اليقين والصدق ومنها ما يؤدي إلى الضلال والتيه والدوغمائية والوهم. من الآن فصاعدا علينا البحث عن إمكانية الحقيقة، وبالتالي الأمر مناط هنا بمعرفة المعرفة كبراديغم معرفي جديد يعي الشروط الثقافية والنفسية والاجتماعية والانتربولوجية للمعرفة، ويعي بأن الخطأ والوهم يتقدمان جنبا إلى جنب مع المعرفة.
إن فصل المعرفة وتجزيئها لا يؤثران فقط في إمكانيات المعرفة، بل يتجاوز ذلك إلى نقص في فهم ذاتنا ومحيطنا البيئي. كان حلم منظومة التبسيط-تلك المنظومة التي تعود جذورها إلى ديكارت- بناء علم إنساني يتحكم ويسيطر على الطبيعة ويجعلها في خدمة الإنسان وتلبية لمصالحه ونزواته. هذا الحلم أصبح كابوسا بعدما تم اكتشاف ثقوب سوداء في العالم قابلتها ثقوب سوداء في العلم.
لا نجد بدا إذن من الاستعانة بالابستومولوجيا المعقدة، لأنها في نظرنا هي من باستطاعتها تفهم تعقيد العالم، ببناء تعقيد على مستوى الفكر، فالرهان الذي أخذه ادغار موران على عاتقه هو"قلب أسس الكون بقلب أسس التفكير في الكون"، بهذه المقولة يمكننا تلخيص مهمة الابستمولوجية المركبة، لكن لماذا الابستمولوجية المركبة؟ لأنها مجردة من الأساس، فبدل الانطلاق من "العبارات الأساسية" أو "عبارات البرتوكول" كأساس للمعرفة يمكننا الانطلاق من كل مكان ومن اللامكان، من الواحد والمتعدد، من بنية شبكتها ليست تراتبية ولا هي منسقة ومنظمة، فالمنهج ليس خطا مرسوما مسبقا في فكر التعقيد بل مجرد دليل يمكن من لمس الطريق، وإعادة تنظيم المعرفة دون ادعاء امتلاك المعرفة، ويمكن أن ننعت ابستومولوجيا التعقيد بأنها ابستومولوجيا فوقية، لأنها تتجاوز الابستومولوجيا التقليدية وتتضمنها في نفس الوقت.
نقاش فتجنشتاين مع مدرسة الجشطلت حول مفهوم الصورة ـ عبد الله الخمسي
تعتبر اللغة ذات مكانة بارزة داخل الفلسفة التحليلية ، باعتبارها الموضوع الجدير بالبحث والاهتمام ، حيث أضحت كل التوجهات التحليلية هي توجهات لغوية همها الأساسي هو البحث في معاني العبارات اللغوية ، وإذا كان القرن 20 هو قرن العلم في نظر الابستمولوجيين وفلاسفة العلم ، فإن هذا القرن هو في نظر الفلاسفة التحليليين قرن التحليل والبحث عن المعنى في القضايا اللغوية ، ولعل هذا ما عبر عنه المفكر الأمريكي Morton White بالقول "عصرنا هو عصر التحليل والمعنى" ، واللغة في منظور الفلاسفة التحليليين ليست فقط وسيلة للتخاطب والتواصل وإنما تشكل أيضا هدفا للبحث الفلسفي، وكانت هذه العناية الخاصة باللغة من قبل فلاسفة التحليل من أمثال مور ورسل وفتجنشتاين بمثابة تجسيد فعلي لتقليد فلسفي معاصر يتخذ من اللغة الموضوع الجدير بالعناية والتنقيب ، إلا أن مسألة المعنى والتحليل لم تكن وليدة الصدفة بقدر ما أنها وليدة مخاض عسير ونقاش خاضه رواد فلسفة التحليل مع الفلاسفة السابقين عليهم ، ونقصد الفلاسفة الكلاسيكيين الذين هم في نظرهم مسؤولون عن الانغلاق الذي طرأ على موضوع الفلسفة ، وذلك من خلال مغالاتهم في منهج التركيب الذي أعطانا أفقا مسدودا في الفلسفة ، ومن أجل الخروج من هذا الانغلاق اقترح رواد التحليل طريقة أو منهج للخروج من هذه التخمة التي لحقت الفلسفة، وكان هيجل مسؤولا عنها ومن حدا حدوه ، وهذا المنهج كان طبعا هو التحليل كرد فعل مباشر ضد التركيب ، والمحاولات الأولى التي كانت ضد هذا المنهج كانت من قبل جورج مور من خلال نشره مقال حول "تفنيذ المثالية" سنة 1903، مقترحا منهجا جديدا للتعامل مع موضوعات الفلسفة ألا وهو منهج التحليل .
الدين عند سغموند فرويد ـ عبد الفتاح حنوم
لقد كان لاكتشاف التحليل النفسي تأثيرات قوية وعميقة في شتى أصناف وميادين العلوم الإنسانية والاجتماعية، خاصة اكتشاف اللاشعور، الذي أتاح أبعاداً أخرى جديدة في دراسة الشخصية والسلوك الفردي والاجتماعي للإنسان. وباعتباره يقوم على الإنسان ويدور حوله، فقد تأثر الدين وعلم الأديان بتلك الاكتشافات أيضاً.
يربط فرويد الشعور الديني بالأعراض العصابية للفرد، فالإله بالنسبة إليه ما هو إلا صورة لأب مهيب؛ أي أنه يشبه عبادة الفرد لإله ما بطاعة الطفل لأبيه، على اعتبار أن ثلة من الأفراد سرعان ما يتخلون عن شعورهم الديني بمجرد تخلصهم من السلطة الأبوية.
نجد أن عقدة أوديب –حسب فرويد- تمثل أساس وأصل كل حاجة أو عاطفة دينية، «ففي عملية التحرر البدائية التي يشكلها قتل الأب من جانب أبنائه يكمن الأصل الأكثر قدماً للدين، إن كل المنظومات الدينية ليس لها من هدف سوى مسح آثار تلك الجريمة والتكفير عنها، ذلك هو الموضوع العميق المعلن منذ 1912م، والذي يتجلى من خلال ''الطوطم والحرام''.»[1]
حضور الفلسفة في الزمن التاريخي ـ د.زهير الخويلدي
" كل نقد حقيقي وثاقب يعطي هو في حد ذاته ، من هنا فصاعدا، وسائل التقدم ويؤشر بصورة نموذجية الطريق نحو غايات ووسائل حقيقية، وبالتالي، نحو علم صالح بصورة موضوعية"1[1]
قد يؤدي اختلاف الأنساق الفلسفية من حيث المصدر والمنهج والوظيفة وتنافسها حول خدمة الأوضاع البشرية واستحواذها على منطق المعنى وتكلمها بلسان الحقيقة ودفاعها عن الديمقراطية وصراعها الدائم على المشروعية إلى إعادة الاعتبار للفلسفة ولا يمثل حجة ضد التفلسف ولا يمكن اعتباره أحد الأسباب المقنعة لكي يتم تغييب الفيلسوف عن الشأن العام.
الفلسفة لا تظهر في الحياة الروحية لشعب معين بصورة فجائية ولا تطلع من باطن الأرض طلوع الفطر وإنما موجودة في التاريخ الحي للناس ومتغلغلة في تصوراتهم للوجود ومختلطة بتراثهم المادي وتقاليدهم الأدبية وكل ما تحتاجه لكي تتدخل في شؤونهم وتفرض عليهم توجيهاتها هو أن تحظى بالاحترام والتقدير من طرف الأصدقاء والأعداء على السواء وأن يوجه لها الدعوة وتجد من ينصت إلى خطابها ويفهم قولها.
لا تنتج الفلسفة معرفة ذاتية بالأحداث التاريخية وتنظر إلى الواقع الاجتماعي من زاوية النسق المعرفي وإنما تدفع بالفيلسوف إلى قلب الصراع الاجتماعي من أجل العدالة وتسمح له بالاستعمال العمومي لملكة العقل في التاريخ الحي بطريقة منهجية وحرة من أجل الاشتراك في نقد الأوضاع المادية المزرية التي يمر بها الإنسان والسعي نحو تغييرها الى مرتبة أرقى.
لا تريد الفلسفة من أصدقاء المفاهيم التدرب على إتقان لغتها والإبحار في دروبها الوعرة والانتصار إلى المعقولية المنطقية في الخصومات المعرفية مع الواقع المعقد وإنما تطلب منهم التدرب على فن التفلسف والتربية على التفكير والنقد والحرية والاستزادة في العلم.
واقع الدرس الفلسفي:بين النمطية ورهان الإنعتاق ـ م ادريس بنشريف
في البدء كان السؤال:ما معنى أن أكون مدرسا للفلسفة ؟
سأنطلق في إجابتي عن هذا السؤال من هواجس كانت تخالجنا ونحن نرتاد الثانوية لأول وهلة. عندما كنا نسترق السمع من زملائنا عن "مول الفلسفة " صاحب المواقف الصادمة ، الغريبة والمثيرة للفضول ... أقاويل وأحاديث تتراكم مخلفة في نفوسنا رغبة ملحة في إكتشاف هذا المجهول ،هذا الجديد الذي نتشوق لمعرفته عن قرب . لماذا "مول الفلسفة " دون غيره من المدرسين؟ ما الذي يكسبه إهتمام الدانــي والقاصي ؟ ألـغرابة مواقفه وخروجه عن العادة والمألوف أم لخصائص ومميزات يختص بها دون سواه؟ هواجس من بين أخرى تجعل من مشروعية التساؤل عن هوية مدرس الفلسفة : المهذار، الغامض ، المجنون ، والملحد ... مسألة في غاية الأهمية .
أـ من هو مدرس الفلسفة ؟
يحمل سؤال الهوية مفارقة غريبة يمكن التعبير عنها في مقولة مأثورة عن الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه(1844-1900): " إني أشبه كل الأشخاص وأشبه البعض منهم ولا أشبه أحدا". ما نستشفه بصحبة نيتشه هو أن الهوية تشابه وتمايز في الآن نفسه. مدرس الفلسفة يتقاسم مع زملائه هموم الإنتماء للحقل التربوي، لكنه يختلف عنهم من حيث المنطلقات المواقف والرهانات، كما أن مدرسي الفلسفة يتمايزون و لا أحد نسخة طبق الأصل للآخر. نجد إختلافات بين جيلية واضحة في صفوف المدرسين لاسيما مع الإنفراج الأخير الذي شهدته الفلسفة على صعيد الجامعات بعد سنوات من الحصار وتضييق الخناق كان لها أثرها على مستوى حضور الفلسفي في المشهد الإجتماعي وما رافقه من إيتيكيتات ظلت معششة في المخيال الجماعي بأحكام وتمثلات ألصقت بممتهني تدريسها ليجدوا أنفسهم منخرطين في معارك من واجهتين :
الفلسفة والحياة ـ عبد الحليم مستور
إن البحث في الحياة، هو بحث في الفلسفة ذاتها، إذ لا يمكن الفصل بين الحياة والفلسفة. فحتى نتأمل الحياة أو الوجود الإنساني عامة، فذلك يستوجب نظرا فلسفيا؛ وتحقيقا عقليا وتعليلا منطقيا، وحتى يتسنى لنا عيش الحياة أو نتمكن من فن عيش الحياة، فالأمر يدفعنا إلى التساؤل حول جدوى الحياة أو الوجود بصفة عامة، وهذا التساؤل يمكن التعبير عنه بالصيغ التالية: لماذا نحن هنا؟ ما الفائدة من الحياة؟ وما الغرض من الوجود؟ وما السبيل للتعايش في ظل هذا الوجود المعقد؟
في بادئ الأمر، أنا هنا لا أدعي قدرة الإجابة على كل هاته التساؤلات ذات الصيت والعمق الفلسفي، وإنما أعمل على خلخلة وزعزعة الاستقرار المعرفي عندنا، لاسيما وأننا سنجوب في مختلف محطات الفكر الفلسفي، حتى نتحرى الدقة والصرامة المعرفية. إذا كانت الفلسفة ما قبل السقراطية اهتمت بموضوعات الطبيعة، و غاصت في مجموعة من الإشكالات من قبيل : ما أصل العالم ؟ أو بمعنى أدق كيف يمكن تفسير العالم؟ وجدير بالذكر، أن هذا السؤال كان نبراسا لباقي التساؤلات الفلسفية الأكثر ارتباطا بالإنسان والحياة، خصوصا مع فلسفة سقراط الذي قال شيشرون في حقه إنه أنزل الفلسفة من عالم السماء إلى الأرض، حري بنا الإشارة هنا أن سقراط لم يشيد مذهبا نسقيا في الفلسفة، وطريقته في التفلسف قائمة على الجدل، وكانت عادته أن يتوجه إلى السوق في أثينا يوميا أو أية بقعة أخرى يتجمع فيها الناس وهناك ينخرط في النقاش مع أي شخص مستعد للتحدث معه عن المشكلات العميقة للحياة والموت و الخير والشر الفضيلة الشجاعة والجمال ... معتمدا في نقاشاته على مبدأي التوليد والتهكم.
المعنى عند لودفيج فتجنشتاين : من خلال رسم الحدود بين العلم والميتافيزيقا ـ جمال لعفو
مقدمة :
تعتبر فلسفة فتجنشتاين أشبه ما تكون بالثورة على الفلسفة التقليدية ، وذلك لأنها غيرت من مفهوم الفلسفة ، الذي كان يبحث في الوجود من حيث هو موجود ، وفي العلل ، والعدم ، والماهية ... إلى مجال آخر وهو البحث في العبارات والقضايا التي يقولها الفلاسفة وتحليلها لبيان ماله معنى، وما لا معنى له .وتجاوز كل عبارات التي تسبب اللغو واللبس كما هو الحال بالنسبة للعبارات السالفة الذكر . وهنا يمكن القول إن عمل الفيلسوف حسب فتجنشتاين يكمن في تصحيح أخطاء الفلاسفة .ويمكن القول إن الفلسفة من منظوره هي فلسفة للفلسفة . حيث لم يعد السؤال يرتبط بماذا أعرف ،وإنما ما هذا الذي أعرفه أهو منطقي أم غير منطقي أهو ذو معنى أم أنه في خانة مالا يقال . وبالتالي تحول السؤال من كم ؟ إلى كيف ؟ وهذه هي ملامح الجدة في الفلسفة التحليلية .
وتعود أهميته في الفلسفة المعاصرة إلى الدور الذي لعبه من أجل تجاوز مشكلات فلسفية ظلت سائدة في تاريخ الفلسفة لمدة طويلة . ومن هذا المنطلق سعى إلى إقامة فلسفة تتوخى توضيح عباراتها ، وذلك وفق العملية التصويرية لعبارات وقضايا موجودة في العالم الخارجي .بالإضافة إلى أنه أولى أهمية جديدة للفلسفة ،والمتعلقة بتوضيح العبارات والقضايا اللغوية .وذلك من خلال كتابه الذي شكل إنجيل الوضعية المنطقية والذي لخصه في سبع قضايا كبرى وهي :