anfassa01084الكلمات المفتاحية:
التحليل المنطقي، اللغة العادية، الذرية المنطقية، مذهب التعدد، العلاقات الداخلية، العلاقات الخارجية ، الواقعية.
ملخص:
يهدف هذا المقال  إلى توضيح فكرة  الذرية المنطقية والمذهب الفلسفي الذي يتبناه راسل، و تحليل نظرية المعرفة عنده،  باعتبار أنه ثار على المعرفة التقليدية وانتقدها لاقتصارها في البحث فيما هو ذاتي وموضوعي، وذهب من خلال منهجه الى تحليل معارفنا وتصنيفها الى معارف أساسية و معارف مستنتجة، وقسم المعرفة الى معرفة مباشرة ومعرفة بالوصف، من هنا تتمحور  الذرية المنطقية حول التساؤل عن مكونات العالم، وانواع الموجودات فيه، والتساؤل حول انواع القضايا المعبرة عن هذه الموجودات، بالإضافة إلى مكونات هذه القضايا.  
يعتبر برتراند راسل، إلى جانب جورج ادوارد مور (1873-1958) خاصة في مقاله "تفنيد المثالية"، رائدا الثورة على الفلسفة المثالية1 في بريطانيا، وقد ظهر هذا التيار في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويعتبر انه باستطاعة الانسان ان يدرك الواقع المستقل عن الذوات والخارج عنها ادراكا مباشرا.
بدأ راسل حياته الفلسفية متأثرا بآراء برادلي (1846-1924)  ، وظل لبضع سنوات أحد تلامذته، كما اعجب بالفيلسوفين كانط  (1724-1804) فيلسوف  وهيجل (1770-1831)  ، إلا انه خلال عام 1889 بدات آراءه تتغير، وذلك بتاثير من زميله جورج مور، ووجد نفسه احد اتباع مذهب التعدد2، التي سيتمسك بها طوال حياته. ومن المحاور الرئيسية في فلسفة راسل، وعند اغلب الواقعيين الجدد، نقده لفلسفة برادلي في العلاقات الداخلية3 ، إذ يرى راسل انه لا توجد علاقات داخلية، وان العلاقات القائمة هي علاقات خارجية، وقد أبدى راسل ذلك في سلسلة المحاضرات التي عنونها بـ: الفلسفة الذرية المنطقية La philosophie de l’atomisme logique، والذي يعرف اختصارا بالذرية المنطقية L’atomisme logique، وهو اتجاه فلسفي معاصر، اتخذ مكان الصدارة في الحقلين المنطقي والفلسفي. ظهر هذا المصطلح تقريبا سنة 1918 بعد أن ألقى راسل سلسة من المحاضرات في لندن نشرت في مجلة "The Monist".
تتألف هذه المحاضرات من ثمانية موضوعات فلسفية ومنطقية، هي:

anfassa01082«"نحن" سكان جنوب الحداثة، الذي نتفلسف بلا "يوم ميتافيزيقي يخصنا"»
فتحي المسكيني
«ليس من السهل دائما أن يكون المرء هيدغريا»
دولوز-غتاري

تقديم

نتج عن نشر سياسية "الأمر الواقع"، وممارسة السلطة كونيا بمنطق التحكم والمراقبة والإخضاع والعقاب، إعادة التفكير في منطق الوجود المشروع، وفي أفضل طريقة لتدبير حياة الناس وتربيتهم. لقد شغلت طريقة حكم الأفراد والجماعات والشعوب جل الفلاسفة والسياسيين والمفكرين الأخلاقيين. فمنذ المدينة- الدولة اليونانية ظهر تفكير جدي في طريقة حكم الناس وتدبير حياتهم وشؤونهم الإجتماعية والسياسية، وهذا يعني البحث عن أفضل شكل للحكم، يسمح بانخراط المواطن في الحياة ورعاية وجوده في التاريخ. لكن مع ولوج عصر "الإمبراطورية" وتراجع دور الدولة الوطنية والقومية، افتقد إنسان الجموع البوصلة، وتاه في دروب لا تؤدي إلى أي مقام.
يمنحنا سؤال الأستاذ فتحي المسكيني، إمكانية ولوج عصرنا -الإمبراطوري الجديد- فلسفيا عبر بوابة قراءة  الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر:
كيف نقرأ هيدغر في ضوء العصر الإمبراطوري الذي بدأت أولى ملامحه مع بداية انهيار نموذج الدولة-الأمة وانحسار مشروعيات السرديات الكبرى؟(1).
يفتحنا المسكيني، على شكل جديد للعالم سماه ب"الإمبراطورية" على غرار أنطوني نيغري وميشيل هاردت. هكذا ينخرط في مساءلة وجودنا الراهن، المتميز بشكل جديد من السيادة على البشر، في ظل جهاز "حكم بلا مركز أو إقليم" ولا حدود. إنه "نظام" يؤبد الوضع الراهن للقضايا ويتغلل في أعماق اليومي ويقضم فضاء العالم كرة بعد أخرى ويخلق كل مرة ملامح العالم الذي يسكنه. إنه "سلطة حيوية تسبح في الدماء لكنها تهدي عملها للسلام - سلام دائم وكوني يقع خارج التاريخ"(2).
فكيف يمكن ضمان وجود مشروع في عصر الإمبراطورية؟

anfassa01080قبل أن يبذل الإنسان مجهودا فلسفيا أو علميا لمعرفة العالم المحيط به ، والذي يشكل أحد عناصره ، انتابته مشاعر التعجب والذهول والاندهاش من النظام الذي تبدو عليه الطبيعة وتسير وفقه الكائنات والأشياء وخاصة الحركة المنتظمة للأجرام والكواكب والترتيب الذي توجد عليه الظواهر الحية.
لقد قاد التفكير في نظام الكون الفلاسفة إلى اعتبار الكائن الحي خاضع إلى قانون معين يتحكم في تطوره الداخلي والانتباه إلى قدرة الحياة على مقاومة كل الاعتداءات المتأتية من الوسط والى التعامل مع الطبيعة بوصفها كوسموس.
ماهي العلاقة بين اللوغوس وفكرة الطبيعة؟ وكيف تصورت الفلسفة الإغريقية العالم؟ و ماذا كان يقصد الإغريق فلسفيا بكلمة كوسموسِCosmos ؟ وهل كان مفهوم الطبيعة غائبا بشكل تام في المحاورات الأفلاطونية أم أنه سجل حضوره في جميع المحاورات بصورة لافتة ؟ كيف يمكن الانتقال من مستوى المعنى المتداول إلى مستوى المعنى الفلسفي والعلمي؟ وماهو هذا  النظام القائم الذي يسمح بالتأليف بين الطبيعة بوصفها مجموع الكائنات والطبيعة بوصفها ماهية الشيء؟ أي النظام الداخلي يجعل ذلك الشيء على ماهي عليه ؟ هل الطبيعة هي النظام العقلي أم الترتيب الكوني؟ من أين جاءت فكرة ماوراء الطبيعة عند أفلاطون؟ هل يوجد فعلا ؟ أين يوجد؟ وماهي خصائصه؟ أليست الطبيعة هي الخارجية المحضة؟ ماهي الحركة الطبيعية عند أرسطو ؟ ألا توجد حركة ضد الطبيعة؟ كيف أكمل حاول كل من ديمقريطس وأبيقور ولوكراس تأسيس التصور الوضعي للطبيعة؟

anfasse24068"الفيلسوف الأخير، هكذا أسمي نفسي، وذلك لأنني الإنسان الآخر". فريديريك نيتشه
"الله غاية الدين، والإنسان غاية الأخلاق". عبد العزيز بومسهولي

مقدمة
من هو الإنسان؟
بالنسبة لكائن حداثي، الإنسان يعتبر ذاتا تعرف وتعمل وتأمل، وتبحث عن مسلك تنويري، اعتمادا على فتوحات العلم والتقنية والفن والثقافة، إنه يرى الإنسان بعين براغماتية. فهو يبحث، أولا عن الطريقة التي يستعمل بها الإنسان نفسه، وثانيا يعلن عن طموحه في تأسيس "مجتمع المواطنة العالمي"، أي تحقيق المطلب المدني المعاصر. يصير الإنسان وبالأخص "الإنسان الأخير"، مع هذا التعريف، تجربة وجودية خاصة بالإنسان المعاصر، ونمط بشري جديد، في حين يعرفه هايدغر بالصيغة التالية: "الإنسان هو نفسه" أو "الإنسان هو نفس ما". لكن مع الأستاذ فتحي المسكيني، ينزاح هذا التعريف، عبر الإنتقال من طرح السؤال حول "من هو الإنسان؟" إلى مواجهة سؤال "ما هو الإنسان؟".
السؤال نفسه، طرحه فرانسيس فوكوياما احتفالا بانتصار النظام الرأسمالي الليبرالي ومنظومته القيمية، عندما أشار إلى الطريق المسدود الذي وصل إليه السؤال ذاته(1)، وكان موجها إلى أولئك لا يريدون فهم معنى "مفهوم الإعتراف".
يفترض سؤال: "ما هو الإنسان؟" عند فتحي المسكيني تقديم تفسير للإنسان، ليس بوصفه موضوعا وذاتا متعالية، بل موضوعا وراثيا. بهذا التحوير، ينزاح الإنسان الأخير عن دلالته النيتشوية، ليأخذ تأويلا جديدا، صار بموجبه في عصر الإمبراطورية الرقمية للعالم الذي تسنه أمريكا، مشكلا إمبراطوريا، وراثيا، وإيكولوجيا. فقد فهم الإنسان آخر الأمر أنه "جينوم"(2).

anfasse24065"بهذا الانعطاف لفك الرموز القديمة فإن الايمان ليس صرخة ولكن فهم"[1]1
لم تمنع استقلالية الخطاب الفلسفي بول ريكور من الاهتمام بالدين في العموم من وجهة نظر تأويلية نقدية ، ولم تشكل صعوبة الطريق المؤدي الى فهم الديني عائقا أمام تفكيك العلاقات الموروثة والمترسبة بين التيولوجي والأنثربولوجي وتطبيق المنهج الفنومينولوجي المنحدر من هوسرل وهيدجر على الحياة الدينية وتطعيمها بقراءة هرمينوطيقية للوجود الديني تتحرك ضمن دائرة تأويلية متكونة من مساري التفسير والفهم ومنفتحة على مناهج علوم اللسان والذهن والمجتمع. في هذا السياق تتكون اشكالية المداخلة من ابراز مواطن التوتر بين الفلسفي والديني في النصوص الريكورية وتقصي مزايا وحدود طريقة التجسير التصالحي بين النقائض التي اتبعها بول ريكور بغية استثمار ما تجود به التقاطعات بين الذاكرة والنسيان وبين المقدس والدنيوي وبين الاثم والغفران من كشوفات أنطولوجية وما تسبعده من أوهام كوسمولوجية وأغراض ايديولوجية.
لقد كان رهان ريكور هو التخلص من آفة الشر وتخطي مأزق الخطأ وإماطة اللثام عن العمق الخير الذي يوجد في فطرة الانسان وعن البراءة الأصلية التي تتميز بها الطبيعة البشرية، وظل شغله الشاغل استخراج الأبعاد الاتيقية للقصص الديني من خلال ازالة الأسطرة عن المقدس وتشفير اللغة الرمزية وبناء علمانية ثالثة تخرج من مضيق اللاهوت القروسطي للدولة الدينية والتصور اللائكي المعادي للإيمان وتضع الخطوط الأساسية لقيام دين مدني يتوافق مع التصور الجمهوري لدولة الحقوق.

anfasse17070"في الدين أودعت الشعوب أعز ما لديها."
هيغل.
الدين ظاهرة إنسانية أساسية في كل المجتمعات البشرية ،وكما يقول روني جيرو " لايوجد مجتمع بدون دين" ،فالدين ظاهرة قديمة قدم الإنسان إلا أن موضوع تفكيري سيدور حول فلسفة الدين باعتبارها مبحثا من مباحث الفلسفة ،أو فرعا من فروعها كفلسفة العلم ،وفلسفة الفن... ،وهي مبحث جديد ظهر في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر مع تلامذة الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط Kant  ،وهذا الظهور المتأخر له أسبابه نذكر منها: أن فلسفة الدين لا يمكن أن تنشأ في مجتمع بدين واحد ،فهي تفترض بالأساس تعدد الأديان ،كما أن فلسفة الدين أتت كتمرة لذلك الفشل الذي عرفته الحروب الصليبية في القرن السابع عشر بين الأرتوذكس والبروتستانت ،والكاتوليك ،وهذه الحرب الدينية عمرت مئة سنة وانتهت بتبادل الاعتراف ،إذ أصبحت الحقيقة الدينية نسبية وليست مطلقة ، عندها نشأت فلسفة الدين .وللاقتراب من هذا الموضوع يمكن التساؤل وطرح إشكالات جوهرية من قبيل: ما معنى فلسفة الدين؟ وما الفرق بين فلسفة الدين والفلسفة الدينية؟ وكيف يمكن التحديد الدقيق لفلسفة الدين عما ليست فلسفة الدين؟ وهل ثمة تعريف جامع مانع للدين أم أن هنالك تعريفات متعددة بتعدد الحقول المعرفية؟ وهل يمكن الإستناد على تعريف ماهوي لفلسفة الدين؟وماهي ثوابت تحديد الفلاسفة المحدثين للدين؟
للإجابة على هذه الإشكالات يجدر بنا في المقام الأول تحديد فلسفة الدين بما ليست فلسفة للدين ،وكما يقول العرب " بأضدادها تعرف الأشياء" استنادا على هذا المبدأ حري بنا القول أولا: بأنه ليست فلسفة الدين من تاريخ الأديان في شيء لأن التفلسف في الدين شيء كما سنحدد لاحقا ،وتاريخ الأديان شيء آخر فتاريخ الأديان ما هو إلاَّ عبارة عن سجلٍ مسطور يتضمن جملة من الأفكار والتجارب العقدية التي اعتقدها الإنسان من غابر الأزمان. واقترنت بدايته بظهور الكتابة في ما يقارب ما قبل خمسة آلاف عام أي ما يوافق عام 3000 ق.م في الشرق الأدنى. أما فترة ما قبل تأريخ الديانات فهي تتعلق بدراسة العقائد الدينية التي وُجِدَت قبل ظهور سجلات مكتوبة. أما زمن الديانة فهو تاريخ متسلسل لتلك الديانة الواحدة... أن هدف الحوار الديني ليس تحويل من نحاوره الى ديننا بل هو "اكتشاف الدين في الأديان" أو "اكتشاف الوحدة في التنوع".

anfasse17067استهلال:
"لقد ظل الحذر ضحية حياة الكلمات وتنوع الفلسفات وبشكل عام الروح الجماعية. لقد كان ضحية للمذهب العقلاني في البداية وللمذهب الأخلاقي بعد ذلك. ولصلته ببعض من رؤى للعالم يجب أن يصير إلى أفوله" [1]. 
لطالما وقع الإنسان في وجوده الراهن ضحية الجهل والمغالطة وتصرف تحت تأثير صدمة الواقع ورزح لتضليل وسائل الاتصال وضغط الإعلام وتلاعبت الدعاية بعقله وعاش دون أن يدري في وضع مقلوب وخاضع للاغتراب الديني والاستغلال الاقتصادي والاستبداد السياسي الناعم. ولطالما احتاج الإنسان دائما إلى توظيف ملكة الحذر بغية الاحتراس من الوقوع في الرذائل وتفادي المفاسد والابتعاد عن المضار وجلب المنافع وإتيان المحاسن وذلك بحسن توظيف المدارك والتسلح بالحيطة وتحقيق الاستفاقة وبلورة أدوات اليقظة واستعادة نعمة الوعي وتغليب روح الأنوار والاستقلالية على ظلمات التبعية والتقليد. لقد كان الحذر مستعملا بكثرة في الحياة الروحية وأوصت به الشرائع السماوية والمعتقدات والحكم التي وضعها البشر وأقبل عليه الحكماء منذ الإغريق والفرس والعرب والرومان واللاّتين إلى الأزمنة الحديثة.
ولقد تم الاستنجاد به في عمليات شحذ الذهن وتقوية البصيرة وترويض الإرادة وإعداد السلوك وتدبير الفعل وتوجيه العقل نحو غائية راقية ودفع الرغبة نحو مقاصد نبيلة وكان خير سند للمرء عند الحيرة وأفضل التجارب الممكنة التي تسهل للناس عملية التمييز بين الجيد والرديء وتجود ملكة الحكم والتعقل.لقد ربط الفلاسفة الحذر بالشجاعة وجعلوا الإنسان الحذر إنسانا متفوقا والقادر على إصدار أحكام صائبة.  لكن لماذا توقظ الفضائل والرذائل في الفكر وعلى حد السواء أحاسيس مبهمة بدل أفكار واضحة؟ وهل الحذر فضيلة أم رذيلة؟ وهل يوقظ في الذهن إحساسا مبهما أم فكرة واضحة؟ وماهي الدواعي التي جعلت التراث الأخلاقي الغربي يقوم بحجب وتغطية فضيلة الحذر؟ وما سر قيام الفلاسفة اليونان بتمجيد فضيلة الحذر ؟ وكيف تحول الحذر إلى ضحية فيما بعد؟ ومن يتحمل مسؤولية الاستعمال الانتفاعي للحذر؟ هل تتحمل السياسة الواقعية مسؤولية في هذا الاستخدام النفعي؟ وأي دور باتت تلعبه فضيلة الحذر في اللعبة السياسية الراهنة؟ وإلى ماذا يرجع هذا الاختلاف في الحكم عليه؟ هل يعود إلى هيمنة اللاهوت أم سيطرة الميتافيزيقا؟ بماذا يتعلق الحذر؟ وماهو مضوعه ومجالاته؟ هل يتنزل في نظام الغايات أم في نظام الوسائل؟ وأين يمكن إدراج فضيلة الحذر؟ هل ضمن إطار الحكمة النظرية أم في الحكمة العملية؟

anfasse10074استهلال:
" لا شك في أن ظاهرة الأفقHorizon  ذو أهمية رئيسية بالنسبة لبحث هوسرل الفنومينولوجي... إن الأفق ليس تخما صارما وإنما هو شيء يتحرك مع المرء ويدعوه إلى التقدم إلي الأمام "1[1].
لقد دشن الفيلسوف وعالم الرياضيات الألماني أودموند هوسرل 1859-1938 الحركة الفلسفية التي اصطلح على تسميتها فنومينولوجويا والتي ارتكز منهجها بالأساس على رد المعطيات إلى الوعي وعلى كذلك استخلاص الفلسفة من الميتافيزيقا التي أضاعت طريق الذهاب إلى الأشياء في حد ذاتها.
لقد بقيت هذه الفلسفة تمجد التمثل وتعرف الوعي بواسطة القصدية وتسعى لكي تشكل المنهج الوصفي الأكثر صرامة ودقة بالنسبة للظواهر. لقد أحدثت محاضرة هوسرل من على مدرج السوربون سنة 1929 والتي جاءت بعنوان تأملات ديكارتية رجة في صف الفلسفة الفرنسية وأثرت بصورة عميقة على أبحاث ليفيناس وسارتر وغاستون برجر. بيد أن طرافة الفنومينولوجيا في فرنسا أنها اصطبغت بالمنحى النفسي عند موريس مرلوبونتي وجسدت تأثير هوسرل من خلال هيدجر على ليفيناس وسارتر وبول ريكور.
احقاق للحق ينبغي القول بأن الفنومينولوجيا مثلت في بداية القرن العشرين وعيا جديدا بالأزمة التي يعاني منها العالم ودشنت محاولة جدية للتفكير في الأزمة والبحث عن مسارات مستحدثة تنشر الأمل والانعتاق.
لقد سعت الفنومينولوجيا الى تخطي العديد من الأزواج الميتافيزيقية ضمن تأليف جدلي بينهما على غرار ثنائيات الطبيعة والقانون ، وكذلك الجسد والنفس، ثم التجريبية والعقلانية، وأيضا الذات والعالم، ووجهت الأنظار الى الخبرة المعيشة والحياة اليومية وقضية المعنى وأعلنت الحرب على الوضعانية والعلموية.

anfasse10072يرتبط هاجس الكتابة حول مفهوم الحرية من منطق ملاحظة الخلط الواعي أو غير الواعي الذي يتم بين المستويات الدلالية لمفهوم الحرية، والتي تستند إلى المجال التداولي الذي يستعمل داخله المفهوم. وتتعقد درجة هذا الخلط في المجال المدرسي بالنظر لحضور المفهوم في مستويات ولحظات مختلفة في الكتاب المدرسي ، ما يجعل التلميذ مذهولا أمام هذا التكرار الذي لا يستطيع كشف جدواه، فيلجأ إلى تفسيره انطلاقا من الصورة العامة عن الفلسفة بكونها حشو للكلام، ويعظم سوء الفهم هذا إذا لم يستطع المدرس بدوره توضيح الغموض توضيحا معرفيا وابستيمولوجيا يتعالى عن لحظة محايثة المدرس لإيديولوجيته أو اختياراته النظرية. فهنا بالذات لا مكان للمحايثة، بل يلزم تبني الحياد المطلق الكفيل بتجلية مكامن اللبس في النظر للمفهوم.
من الحق في الحرية إلى فعل الحرية
إن أولى مستويات اللبس المشار إليه والذي يلزم التنبيه إليه هو ضرورة الفصل بين مجالات حديثنا عن الحرية، والمقصود هنا هل نتحدث في مجال النظر أم العمل؟ فمجال النظر العقلي لمفهوم الحرية يجعلنا نتحدث عن الحق في الحرية بكونه حق نظري لجميع الناس، إلا أن امتلاك هذا الحق لا يعني بالضرورة القدرة على ممارسته، وهو ما يحيل إلى المستوى الثاني للمفهوم، أي مستوى الحرية كفعل وممارسة. ذلك أن لجميع الناس الحق في التفكير والتعبير والنجاح والسفر... وكل هذه الحقوق لا يمكن الحد منها أو منعها نظريا، إلا أن المشكل المطروح هو هل يتوفر من لهم الحق في الحرية على القدرة على ممارسة هذا الحق وتحويله إلى فعل. الأكيد أن ذلك لا يمكن أن يتم بدون توفر من يمتلك الحق في الحرية على القدرة والطاقة التي تمكنه من التفكير والتعبير والنجاح والسفر في الواقع، وذلك بتوفر الوسائل الموضوعية لفعل ذلك. لهذا فليس معنى امتلاك الحق في الحرية كفكرة هو نفس معنى تملك الحرية كفعل وممارسة.

anfasse10070" لما كانت الحقيقة الالهية خافية علينا، فإن سؤالا يطرح عن كيفية معرفة ماهية الخير والصفات الأخرى في الاله؟ وكيف نعرف ماهية الحكمة وماهية الخير المطلق؟"[1]1
لقد أقامت التجربة الدينية منذ البدء علاقة مع أفكار المنح والتلقي والإرسال والاصطفاء والانتقاء والقبول والاختيار من جهة أولى ومتنت صلة شخصية بين الإنسان والله تتصف بالإلزام والخضوع من جهة ثانية.
لقد شهد المعطى الديني تاريخا متقلبا تميز بالمراوحة بين السقوط في الانحراف والهرطقات عن طريق الخروج والإلحاد والتمرد والعزم على التصحيح واستعادة الجوهر المكنون بالعودة إلى الطبيعة أو الوحي.
لقد جمع الديني بين الابتكار والكذب وبين تحقيق الوعي وتمثل الوهم وبين درك الواقع وإنتاج الاغتراب. ولقد ظل الديني حاضرا بشكل مستمر وكوني في الحياة الإنسانية وذلك لما يقوم به من وظائف حيوية للمجموعات البشرية ولما يوفره من حماية للأشكال الاجتماعية التي ظهرت في الحالة الطبيعية ، والتي تميزت بالنزاع والتناحر والدخول في حالة الحرب من أجل المحافظة على البقاء وخشية الموت العنيف.

anfasse27056"سيأتي الوقت الذي لا تشرق فيه الشمس إلّا على أحرار الرجال الذين لا يعرفون لهم سيداً غير العقل"
نيكولا دي كونْدرْسِيه
بات من المعلوم، عند العقلاء، أنّ حياة العظماء و إنجازاتهم، إن في الفكر والعلم أو في الفلسفة و السياسة ونحوها، لا تعني شخوصهم فحسب، بل قد تعني الكثيرين ممّن يستخلصون العبر من إنجازاتهم العلميّة و السياسيّة وإبداعاتهم الفكريّة والفلسفيّة لفائدة الانسانية جمعاء، في غير ما تمييز ولا استثناء. فحياة العظماء مصابيح تضيء دروب الشعوب في كل عصر ومصر. وفي هذا المعنى كتب ريمون تروسون(Raymond Trousson) مؤلّفا هامّا بعنوان (Denis Diderot: Ou le vrai Prométhée ) "دني ديدرو: أو بروميثيوس الحقيقي"، بما يعني المحرّر الحقيقي للفكر البشري، لأنّ بروميثيوس الذي يفيد إسمه باللاتينية، بعد النظر و امتلاك القدرة على التنبّؤ بالمستقبل، هو من سرق، وفق الأسطورة اليونانيّة، شعلة النار المقدّسة أو المعرفة من عند زيوس كبير الآلهة ليعطيها للبشر. لذلك فالعنوان اشارة رشيقة الى الأهميّة المعرفيّة و التنويريّة للمفكّر ديدرو، صاحب مشروع تأليف موسوعة العلوم، والفنون، والصناعات، والفلسفة، وهو-دون شك ولا ريب- أضخم مشروع تنويري فرنسي في القرن الثامن عشر. وقد أنجزه ديدرو، على مدى ربع قرن تقريبا، بمعيّة صفوة من النخبة في كل المجالات، من بينهم نيكولا دي كونْدرْسِيه Nicolas de Condorcet الذي كتب ضمنه مقالات في الاقتصاد السياسي. وكان لهذا المشروع أثر وأيّ أثر على تراجع الأصوليّة الكاثوليكيّة في فرنساالتي خرجت عقب ذلك من ظلمات العصور الوسطى إلى أضواء العصور الحديثة، لتغدو فضاءا للتنوير والأنوار يشعّ على العالم كلّه. لذلك نستشعر اليوم أمام خطر الوهابيّة الداهم، أنّ العالم العربي في حاجة إلى ''ديدرو عربي'' ليحدّ من تغوّل الوهابيين الذين يعيشون اليوم زمانهم الخصب، وهم الجهلة، السذّج والمتخلّفين، أعداء الحياة وأعداء الديمقراطيّة و التقدّم والتنوير والتحديث. أجل نستشعر الحاجة إلى "ديدرو عربي" لفكّ إسار المواطن العربي، من الخليج إلى المحيط، من قيود وأغلال هي ضدّ الطبيعة والعقل، تمارس عليه باسم الاسلام الذي هو منها براء، وتتحصّن بظلال المقدّس وتسعى لإيهامه أنّ مستقبله في ماضيه، وأنّه من المفترض أن يعيش الآني والراهن بفكر وأدوات الماضي 'المقدّس'. وهو لعمري عين الخور. لأنّ ذلك لا يعدو أن يكون مجرّد سباحة هواة ضد تيّار مجرى التاريخ وسيرورة التقدّم.