الحضور تذكر للتذكر، وحلول للمنسي فينا كحاضر، إنه تفوق لإرادة قوة من بين الإرادات المحتملة، وخروج للغائب من براثن النسيان نحو الوجود بما هو موجود en tant qu’étant، وحده الإنسان من يستطيع الإيمان بفكرة الحضور، ووحده هذا الكائن من تمكن من نسيان الحضور، أي حضوره كنسيان وليس كحضور، حيث لا تستقيم الحياة ومنطقها العابث إلا بواسطة هذا الأمر، وإن كان قدرا محتوما لوجودنا فإنه أيضا قتل لنفس الوجود، وإقبار لروح الانخراط في الوجود الأصيل، وليس الوجود المزيف الذي نعيش على أنقاضه لحد الساعة.
والنسيان على جانب ضِدِّيدٍ، سلاح ذو حدين، فهو الذي يقينا ألم التذكر، أي تذكر ما نريد نسيانه، كما أنه المسؤول عن نسياننا للوجود الأصيل وانغماسنا التام في الوجود المزيف، النسيان جوهر الحياة وضامنها الأول، إذ من خلاله نستمر في الحياة تفاديا للوقوف عند أكثر اللحظات بشاعة، وعند أشدها حزنا ووطأة على الوجدان، وهو في نفس الآن تخطي للماضي وتحرير لإرادة الحياة فينا، يؤكد نيتشه في مؤلفه considérations inactuelles بخصوص هذا الأمر: " في أصغر السعادات كما في أكبرها، هناك شيء من خلاله نعرف أن السعادة سعادة، والذي ليس سوى إمكانية النسيان la possibilité d’oublier، أو بعبارة أدق: ملكة الإحساس بالأشياء ومدى تعميرها خارج أي منظور تاريخي." من ثمة فلو كان الإنسان لا ينسى، أي أنه لا يمكن إلا أن يسكن اللحظة الواحدة، عندها تتجمد فيه إحداثيات الزمن، وآنذاك فقط يموت كإنسان ويموت أيضا كوجود، إننا ننسى لسبب بسيط ألا وهو الاستمرار في الحياة، كما ننسى أيضا هروبا من البشاعة، إن جوهر الذاكرة هو النسيان وليس التذكر كما يعتقد أغلب الناس، أو كما كانت تعتقد الفلسفة قبل نيتشه.
سؤال الرغبة والمتعة في التجارب الفلسفية الجديدة بالمغرب : تجربة عبد الصمد الكباص وحسن أوزال ـ ادريس شرود
عندما نطرح سؤال الرغبة والمتعة، فإننا نستدعي ذلك المجهود الذي بذله مجموعة من الباحثين المغارية للإقتراب من الأسئلة الحقة للفكر والفلسفة. ذلك أن التفكير في الرغبة والمتعة، هو تفكير في الحياة، وفي إمكانية العيش على نحو آخر. في هذا السياق تتموضع مساهمات ثلة من الباحثين، يمثلون ما أطلق عليه الباحث عبد العزيز بومسهولي ب"التجارب الفلسفية الجديدة". ما يجمع هؤلاء الباحثين هو هم التجاوز؛ تجاوز ذلك التصور اللافلسفي للفلسفة بردها إلى تربتها الحقة كتجربة للفكر وحياة للكائن في الحاضر. فقد مضت عقود طويلة - يقول عبد الصمد الكباص- والإيديولوجيا تقدم كمنتوج مسجل تحت إسم الفلسفة بالمغرب. الشئ الذي فرض تحولا عميقا في قضية الفكر ومهمة الفلسفة، جعل من سؤال الحاضر والحق في الجسد، المنطلق الأول والأخير لكل تجربة فكرية أو وجودية. ولاقتحام هذه التجربة ، دعا الباحث حسن أوزال إلى مجاوزة سؤال ما الإنسان؟ باتجاه سؤال: كيف ينبغي للإنسان أن يحيا؟.
الجسد والتقنية: المفارقة المدهشة
أسارع إلى التأكيد على ذلك التحول الذي أصاب الإنسان والوجود مع سيادة التقنية وتطور العلم، والذي صار بموجبه المشروع الإنساني يدرك كجسد، أي كبناء مسترسل للرغبة (1)، وكرهان للمتعة(2)، وبالتالي كعلة تأسيسية(3). تزامن ذلك مع ظهور فلسفات رفعت تحديا كبيرا من أجل تحرير الرغبة وتحويلها من مجرد طاقة يحكمها قانون النقص، إلى شكل من امتلاك الحاضر الذي ينشده الكائن الحداثي(4). لكن تحقيق هذا المشروع محكوم بعمل التقنية نفسها، والتي لا تخضع لا للأمر الأخلاقي ولا للغاية الإيتيقية أو الإستطيقية.
ممكنات التدخل الفلسفي في الحاضرـ د.زهير الخويلدي
"يجب أن ينبع الانخراط الفلسفي من خصوصية الفكر الفلسفي وأن يكرس حدوده ضمن هذا المعنى"1[1]
من هو الفيلسوف على الوجه الحقيقي؟ ومن يحدد وجهه المطلوب ؟ هل هم نقاد الثقافة أم غيره من الفلاسفة ؟ ألا يضع إبداعه من ذاته ويستمد مشروعية وجوده من ريادته في مجاله وتوقيعه لأعماله؟
لا يوجد معيار متعال وقبلي يمكن اعتماده للتمييز بين الفلسفي وغير الفلسفي ولا توجد حقائق نهائية ومناهج تامة التكوين وإنما كل معدات الفلاسفة ملقاة على عارضة الطريق وتعبث بها رياح التغير وتسبح في يم الصيرورة ويظل الجميع ينتظر التغيرات العاصفة بأن تساعد على ولادة الفيلسوف بصورة فجائية.
ماهو بديهي أن المرء لا يولد فيلسوفا وأن الناس لا يعتنقوا الفلسفة مثل اعتناقهم للمعتقدات الدينية والأفكار السياسية وإنما يشتغلون بالفلسفة بحكم الظروف والوضعيات وأحوال الوجود التي يعيشونها في حياتهم.
يمارس العصر الذهبي الذي كانت فيه آراء الفلاسفة مهمة ومطلوبة وكانت نظرياتهم ذات قيمة إغراء كبيرا والسبب هو الاعتبار الذي كانت تلقاه مقترحاتهم ونصائحهم لتحسين الأوضاع والنظر إليها بوصفها بدائل ناجعة واستحسان رؤاهم وتمجيد أقوالهم بشأن الأحداث والتعامل معها على أنها جدية وحاسمة.
نهاية الفلسفة النسقية :عرض لوجهة نظر ريتشارد رورتي ـ عبد المنعم البري
ماذا تعني نهاية الفلسفة؟ إنها تعني تجاوز شكل معين من الفلسفة لفتح المجال أمام شكل جديد. وفي هذا الاتجاه يقدم الفيلسوف الأمريكي المعاصر ريتشارد رورتي Richard Rorty (ولد عام 1931) مراجعة تفكيكية لمفهوم الفلسفة ولحدوده. ويصوغ تمييزات ومفاهيم جديدة يتم على هامشها تحديد الفعل الفلسفي، ويكشف عن الانزياحات التي تتعرض لها الثنائيات التقليدية التي تحكمت لمدة طويلة في تمييز هذا الفعل. وفي هذا الإطار تتقمص الفلسفة عنوانا جديدا استلهمه رورتي من هيرمينوطيقية الفيلسوف الألماني هانزجورج غادامير H.G. GADAMER (ولد عام 1900)، ومن وجودية الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر J.P.SARTRE (1905-1980) والفيلسوف الألماني مارتن هايدغر M.Heidegger (1889-1976). وهذا العنوان ذو الأصل الهيرمينوطيقو-وجودي هو: "الفلسفة المنشِّئة" La philosophie édifiante(*) .
1 - الفلسفة المنشئة/الفلسفة النسقية.
ارتبطت الفلسفة مع إيمانويل كنط E. Kant (1724 - 1804) بنظرية المعرفة فأضحت تتبوأ رتبة "تأسيسية" جعلتها تنفرد بامتياز خاص عن بقية قطاعات الثقافة. وقبله مع رينه ديكارت R.Descartes (1596 -1650) وجون لوك J. Locke (1632-1704) تم اعتبار الفلسفة كحقل يمكن من تجاوز مستوى "الرأي" البسيط، ويفتح طرقا واضحة ومتميزة تقود نحو "اليقين"(1). وقبل ذلك بكثير كانت الفلسفة مع أفلاطون PLATON (حوالي: 427-347م) علما محصنا داخل أسوار أكاديمية رفعت على مدخلها جملة تخصيصية تقول: "لا يدخلها إلا من كان رياضيا". فحكم على الفلسفة أن تعيش على وتيرة الصرامة الرياضية والمنطقية التي تتعارض مع تفتح القول الشعري وحريته. إن هذه اللحظات الأفلاطونية والديكارتية والكنطية تؤكد أن تاريخ الفلسفة، ومعه تاريخ بقية المعارف، هو تاريخ لـ"نظرية المعرفة" ولاستبداداتها المرآوية(2).
الفلسفة وتدريس الفلسفةـ هادي معزوز
" الكل باطل وكل شيء مباح."
ـ نيتشه ـ
" مالي سوى روحي وباذل نفسه في حب من يهواه ليس بمسرف. "
ـ ابن الفارض ـ
قد يكون من الوهم بمكان حصر الفلسفة في كتب الفلاسفة، واعتبار صرامتها الفكرية وبنائها المنطقي المتطرف شيئا يبعدنا عن كنه هذا العلم وعن جوهره، إذ قبل أن تكون الفلسفة مبحثا يهتم بمشاكل وجود الله وبداية العالم وخلود النفس، كانت دعوة صريحة إلى الحياة وحفلا بهيجا من خلاله نولد من جديد وبروح أخرى... الفلسفة فن عيش ورقص خارج منطق المألوف، إنها تريد منا أن نتمتع بخفة الإله الراقص على حد قول نيتشه، فنستحيل كائنات خفيفة لا تسعى إلى الوصول إلى الحقيقة على غرار ما يشاع على الفلسفة، وإنما إلى ربط علاقة حميمية والحياة، فأن تفهم الحياة مثلا، معناه أنك حولتها من معادلات صماء ومن تفسيرات جوفاء ومن تجارب عقيمة، إلى حفل وإلى لن ينتهي إلا كي يبدأ من جديد، إذ الفلسفة لا تسعى إلى تقديم الحلول وإنما للتعامل مع المشاكل كألعاب من خلالها نصبح أطفالا قادرين على إضفاء طابع اللهو على أكثر الأشكال جدية، مادام أول عدو لها هو اللعب، وإن كان لعباً غير بريء فإنه يعطينا درسا في الحياة، بقدر ما ينفلت من وهم كسب وبلوغ الحقيقة.
إمبراطوريّة الإرهاب ـ سلام زويدي
كيف لنا أن نتعاطى مع مفهوم الإرهاب؟ وأي ضربٍ من القراءة تَقدر على النفاذ مسباريا إلى أصله وفصله ونشأته وتطوّره عبر الأحقاب التاريخيّة؟ هل نتعامل معه بمنطق الأركيولوجيا أم بمنطق الجينيالوجيا أم أن الأمر على ضوء الراهن الوهن يتطلّب قراءة ماديّة تاريخيّة تعكس المرحلة العليا التي وصلت إليها الرأسماليّة؟
لقد ارتأينا أن نباشر الإرهاب ونستأنف القول فيه فلسفيا من جهة جعله النصف المظلم من نظام الإمبراطوريّة المعولمة ، أي الجرح المتقرّح الذي لطالما سعى نُسّاخ العصر إلى إخفائه فجعل عنوان مداخلتي " إمبراطوريّة الإرهاب" هو في حقيقة الأمر دعوة إلى ضرورة تصريف الإرهاب في غير ذلك المصرف الدارج في الموروث الثقافي العربي، ومنه تحديد التناقضات الأساسية الفاعلة في صلب حركة التاريخ العالمي والمحدد للمهام المطروحة على القوى المناهضة للإرهاب، ذلك أن فهم إشكاليّة الإرهاب وتشخيصها يتطلّب في نظرنا تحديد الأطراف الفاعلة في الساحة العالميّة ومن ذلك فالإرهاب وفق هذا التمشي يُفهم في سياق حركة الاقتصاد السياسي الذي بات اقتصادا سياسيا معلوماتيا وهذا هو مضمون مداخلتي والذي فيه سأحاول المرور بالأطروحات التاليّة :
جمالية الفرد المبدع : التفكير في الحياة على نحو آخر ـ ادريس شرود
حين قدم نيتشه مبدأي الخلق والفرح، كالشيء الأساسي في تعليم زرادشت، فثمة فعالية بشرية من وراء ذلك، مرتبطة بإرادة محررة ومرحة. وكلام نيتشه عن الإرادة، وخاصة إرادة القوة، لا علاقة لها بإرادة الهيمنة، بل بإرادة قوة خلاقة ووهابة من حيث الجوهر(1). إنها فعل إبداع لأفكار وإمكانيات جديدة للحياة، ورد فعل ضد معضلة الافتقار إلى الإبداع وإلى مقاومة الحاضر، كما يقول جيل دولوز. أكيد أن هذا الحاضر هو قيمة الوجود القصوى التي تتوجه لها كل إرادة أو معرفة من أجل إحداث تحويل في المنظور والحياة. الشيء الذي يفرض الشروع في قلب الأولويات والاهتمامات، بإعطاء الأهمية لدور الأفراد في تقرير مصيرهم، وتجريب قدراتهم واختياراتهم، وتنظيم وجودهم. ولإنجاز هذه المهمة، لابد من إبداء تصور عن فعل التفكير، قد يساهم في تغيير دلالة الفكر أو التفكير بشكل مختلف. لكن الانخراط في هذه الصيرورة، يقتضي العمل على الذات من أجل بنائها، كي تكون على استعداد لتعلم التفكير(2)، وتعلم الحياة .
مفهوم الجوهر في علم ما بعد الطبيعة عند ابن رشد من خلال مقالة "الزاي" من تفسير ما بعد الطبيعة ـ زريوحي صديق
1 - مفهوم الجوهر في تاريخ الفلسفة:
بالرغم من أن مفهوم الجوهر له علاقة بأكثر من مجال معرفي واحد، إذ أنه يضرب بجذوره في المنطق، والعلم الطبيعي إلا أنه في ما بعد الطبيعة يكتسي أهمية خاصة، لأن ما بعد الطبيعة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الجوهر والعرض القوة والفعل، الواحد والكثرة "إن كون الشيء جوهرا أو عرضا هي القسمة الأولى التي ينقسم بها الوجود بما هو موجود…"(1) لذا فإن أرسطو خص هذا المفهوم بمجموعة من المقالات يمكن تسميتها" بمقالات الجوهر" استهلها بمقالة "الزاي" وهذه المقالة هي أول مقالة ابتدأ يفحص فيها عن الجوهر…(2).
لقد كان أرسطو كما يشير إلى ذلك ابن رشد واعيا بأهمية هذا المفهوم حيث اعتبره مسألة المسائل، والتي هيمنت على تاريخ الفلسفة كله إذ قد طرحها الفلاسفة السابقون عليه جميعا بدءا من طاليس، وانتهاء بأفلاطون لكن مع ذلك لم يقل فيها أحد منهم قولا برهانيا، ولم يصلوا إلى إدراك حقيقة الجوهر، بمعنى أنهم لم يتوصلوا إلى معرفة (الشيء الذي هو ماهية هذا الجوهر(3) فالموضوع الأساسي الذي شغل بال الفلاسفة هو: ما هو الوجود؟ ولما كان المعنى الأساسي والأولي للوجود هو عندما يعني "ما يوجد" أي عندما يعني الجوهر، فإن السؤال يصبح إذا ما هو الجوهر؟ هذا الجوهر الذي يؤكد بعض الفلاسفة (الايليون) إنه واحد، بينما يقول آخرون (الذريون) بأنه كثرة، تلك الكثرة التي هي بالنسبة للبعض متناهية ومحدودة العدد، وبالنسبة للبعض الآخر غير متناهية. "أما الجوهر فمن الناس من قال أنه واحد، ومنهم من قال إنه أكثر من واحد، ومنهم من قال أنها أشياء متناهية ومنهم من قال أنها غير متناهية"(4). والشيء الذي يجمع بين هؤلاء حسب ابن رشد، وذلك بالرغم من اختلافهم، هو كونهم جميعا ينزعون منزعا طبيعيا مما جعلهم "لم يشعروا من الأسباب الأربعة إلا بالمبادئ الهيولانية فقط…" بينما أرسطو سينحو منحى مخالفا هو البحث عن الصورة الأولى لجميع الموجودات والغاية الأخيرة، لأن كل موجود يملك صورته الخاصة والتي بفضلها يوجد كوحدة أنطولوجية متميزة مكتفية بذاتها.
خطـــوط عريضة حـــول النظرية المـــاركسيـة ـ ياسين إيزي
سينصب مجهودنا في هذا المقــال على تقديم إطلالة على النظرية الماركسية و أول إشكال يتبادر إلى أذهاننا هو هل الماركسية نظرية علـمية؟، من هنا سنستحضر قولة فريديرك إنجلز الرجـل الثاني بعد كارل ماركس وردت في مقدمة كراس "حرب الفلاحين الألمانية- Der deutsche Bauernkrieg" و التي سنعمل على تفكيكها، و مفادها هو كالآتي: "الاشتراكية منذ غدت علما وجب أن تؤخذ مأخذ العلم"[1]
إن الإشكـال المطروح أمامنا و المتمثل في إن كانت الماركسية علمـا أم لا؟ يعد من أهم الإشكالات التي تطرح في سبيل انتقـاد الماركسية عموما، فاعتبـار المـاركسية علمـا في نظر بعض النقاد يعد من مفارقات الفكر الماركسي أو بعبارة أدق يعد من التناقضات التي تعاني منها الماركسية، و لكن قبل الخـوض في هذا النقاش الذي لطالما أثار كبار المفكرين وجب علينا من الناحية المنهجية ذات الصيغة العلمية التطـرق للسياق التاريخي-الاجتماعي الذي أدى إلى نشوء النظرية الماركسية و من تم تبلورها، فتطرقنا لهذا الجانب سيجعلنا نرفع اللبس عن مجموعة من المغالطات التي تمرر على النظرية الماركسية عمـوما و هذا لا لشيء إلا من أجل محاولة تقديم مقاربة علمية/موضوعية لها، هذا من جانب من جانب آخر سيمكننا التحديد التاريخي-الاجتماعي من معرفة مدى علمية النظرية الماركسية فكما يقول المفكر اللبناني مهدي عامل:
" ليـس من فكـر نمـوذج، و ليـس على نمـوذج ينبنـي الفـكر العـلمي. و لئن كانت المـعرفة التي ينتجهـا هذا الفكر نسبية، فهي نسبية، لا بقيـاسها على مطـلق من المعرفة ينتجـه فكـر-نمـوذج، بل بضـرورة طـابعها التـاريخي. فعلميتهـا قـائمة في الحدود التي ترسمـها شروطهـا التـاريخية المـادية، تلك التي هي فيهـا تنتج.[2]"
دولوز وسؤال الديمقراطية ـ ادريس شرود
"حاول فقط مرة واحدة أن تلمس صنم الديمقراطية، وسترى ماذا سيحدث" سلافوي جيجيك
تزايد الإهتمام بالديمقراطية مع تفكك الإتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الإشتراكية ، وسيادة القطب الوحيد ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية، وإحساس الغرب الأوربي/الأمريكي بانتصار منظومته الرأسمالية الليبرالية وقيمها، ودخوله في مرحلة تاريخية جديدة أطلق عليها إسم"العولمة". يؤكد الفيلسوف النمساوي فريتس فالنر أن العولمة هي فكرة عتيقة في حلة قشيبية جديدة، فهي توزع الوعود الجميلة بحل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية وبدوام السلم الإجتماعي. لكن كل هذا مجرد تدليس وعواء بدون مضمون فعلي. من بين هذه الوعود الجميلة التي صارت عنوانا لكل الخطابات، وحلا لجميع المشاكل:الديمقراطية. لم تعد الإشتراكية مفتاح التخلف السياسي والإقتصادي والإجتماعي، بل أصبحت الديمقراطية غاية السياسة، ومحور شعاراتها: الديمقراطية أولا ، الديمقراطية أخيرا، الديمقراطية هي الحل. لكن الخبر اليقين يقول: لا يكفي رفع شعار الديمقراطية حتى تتحقق دلالاتها الخلاصية في الواقع، بل يجب أن يقرن كل ديمقراطي أفعاله وأقواله دوما بالإعتراف بأنه في مجتمع غير ديمقراطي، كما أكد جاك دريدا. يثير موقف دريدا هذا، مواقف مفكرين غربيين آخرين من الديمقراطية، ومن بينهم موقف الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، موضوع مقالتنا.
الهرمينوطيقا وفن الفهم ـ يوسف أبو علفه
يشير مصطلح الهرمينوطيقا " Hermeneutics " إلى التأويل والتفسير معاً ، وفي حين أن للتأويل مفردة مستقلة خاصة هي " Exegesis" التي تشير إلى التفسير أيضاً ، إلا أن الثقافة الغربية آثرت العودة للمفردة هيرمينوطيقا [516] التي تتميز بأنها منهج هذا التفسير وأصوله وأحكامه ، فإذا كان التفسير وقفاً على الشرح أو التعليق الفعلي ، فإن الهرمينوطيقا هي قواعد هذا التفسير أو مناهجه أو النظرية التى تحكمه [68] واللفظة " Hermeneutics " تعود جذورها للتراث الإغريقي ، الذي كان قد أحال نسبتها لرسول الآلهة ( هرمس ) الذي يتوسط عالم الآلهة الخالدة وعالم البشر الفانين ، يرافق أرواح الموتى إلى مملكة هاديس السفلى ، حامي الرحالة الذي أصبح بعد تطور التجارة في اليونان حامي التجارة ، من ثم إله الغش والخداع والسرقة [516] وهو آلهة الفواصل ، الفجوات ، التخوم ، وأعتاب كل شئ ، وهو كائنا متقلباً ، وغامضاً ، فقد كان أباً لكل الفنون ، ورباً لكل اللصوص في الوقت ذاته [33] وفي أسطورة هرمس هذا نعثر على نفي لمبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض ، وكذا لمبدأ الثالث المرفوع ، وفيها أيضا تنكفئ السلاسل المنطقية على نفسها لتشكل هرما حلزونياً : فالــ(( ما بعد )) يسبق الـ(( ما قبل )) ، والله لا يعترف بأي حدود فضائية ، ويمكنه أن يكون على هيئات متنوعة ، في أماكن متعددة في وقت واحد [29] وهرمسية القرن الثاني تبحث عن حقيقة تجهلها ، وكل زادها في ذلك هو الكتب ، وعلى هذا الأساس ، كانت تتخيل أو تتمنى أن يكون كل كتاب مشتملاً على جزئية بسيطة من هذه الحقيقة ، وإذا كانت كل الكتب تقول الحقيقة حتى لو أدى ذلك إلى تناقضها ، فان ذلك ممكنا لأن كل كلمة هى في الأصل إيحاء أو مجاز .