
وجاءت الحرب، واللعنة على الحرب وعلى الذين يصنعوها، لم تجلب لنا غير القهر والتعاسة.
وكنت أحلم حالما أعود من الحرب أن ألبس ذلك الحذاء الجديد و أن أخاصر زوجتي اللحيمة ونسير في شوارع المدينة وأن أكون سعيداً وأنا أسمع طقطقات الحذاء على إسفلت الشوارع .
طاق ..طاق ..طاق . ذلك الحذاء الجديد. !! هي الحرب ولعنة على الحرب التي لم تجلب لنا غير غلاء المعيشة وندرة الحليب للرضع وانقطاع الماء والكهرباء وأكواما من الجثث . هذه الحرب حرمتني من أن أنتعل حذاءي الجديد.
حين جاءت، كدت أن أضع الحذاء في حقيبتي الوحيدة٬ لكنهم قالوا : " هذا الحذاء لن تحتاجه في الحرب ". تركته في علبته البيضاء ملفوفاُ في ورق حليبي شفاف، بعد أن مرَرت أطراف أصابعي على جلده اللامع الأسيل وألقيت نظرة أخيرة عليه. لكنني عقدت العزم على إنتعاله حالما أعود من الحرب . لكن !! حين عدت، تعذر علي إنتعاله، ليس فقط لأن الحذاء لم يعد يلازم علبته التي قد تكون إنتهت إلى سطل القمامة، ربما منذ زمن بعيد ، بل كذلك لأنني عدت بلا قدمين بل حتى بلا رجلين ، وبعطب في رجولتي.
حين قدمت من الحرب ، زارني عمُو ، ذلك الرجل الغريب . لم يسبق لي أن شاهدته في الحي فكرت " لقد تغيَر كلُ شيء بعد كل هذه السنين التي قضيتها هناك !" ربما يكون الرجل قد قدم إلى الحي في غيابي .