صمت رهيب يخيم على المقهى ،كل العيون مشدودة نحو تلفاز بالأبيض والأسود أمام نافدة كبيرة فوق طاولة غزاها الصدأ.دخان السجائر غمر الفضاء المعتم وكاد يخنقه ،الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا .
من خلف واجهة زجاجية صغيرة محاذية للباب الرئيسي شبه المتداعي ،بدت حركة سريعة بالخارج ،بداية يوم جديد.
قرب محطة حافلات النقل العمومي وبجانب شجرة توت كبيرة اتكأ شيخان مسنان على جدعها ،غير بعيد منهما وتحت سقيفة تمدد رجل مخمور في عقده الخامس فوق كرسي إسمنتي غير عابئ بركا مات قمامة أمامه وقد تجمع حولها مجموعة من القطط والكلاب المتشردة .
طقس بارد وجو بدأ يندر بزخات مطرية ...مرت متسولة من أمامهم ،مدت يدها نحوهم دون أن يحركوا ساكنا ..ظلت متسمرة للحظات ،توقفت حافلة واستأنفت مسارها وهم لايزالون في أماكنهم .اكتظت جنبات الشارع الرئيسي بشاحنات عسكرية ،زحمة قاتلة ..وهم لا يزالون كالإيقونات بدون حراك ...عبرت المتسولة الشارع بسرعة ،دخلت المقهى حانقة ،طال انتظارها واستجداؤها ،جف حلقها وكل متنها فأخذت تسب وتلعن الزمن الذي تحجرت فيها القلوب ...قفز النادل من خلف الدكة "الكونتوار" دفعها بقوة نحو الباب ،قاومته فركلها على مؤخرتها ،سبها سبابا فاحشا ،هددها ،وعاد مزهوا بنفسه ،لكن لاأحد من رواد المقهى أعار المسألة اهتماما يذكر .
في زاوية شبه معتمة ،انزوى شاب أنيق خلف جريدة صفراء ،وقد تسمرت عيناه على أعمدتها ،وقف النادل أمامه مسح الطاولة بعناية ،انتظر طويلا ثم عاد حاملا منفضة ممتلئة بأعقاب السجائر من أمامه غير راض بتجاهل الشاب له.