أحيانا نُهمل حقوق نصوص علينا بعد أن نقرأها فتتشابك القراءة بالكتابة والقارئ بالكاتب، وقد ننتقل من وضعية القارئ إلى حالة شخصية من الشخصيات. قرأت رواية " وليدات الشاوية "(ط1-2005 والطبعة الثانية في سنة 2008) للكاتبة منى هاشم، بعد سنة واحدة من طبعتها الثانية، وسجلتُ في هوامشها مجموعة من الملاحظات تمهيدا لإعادة قراءتها والنظر بالموازاة إلى تلك الملاحظات الشخصية، والتي ستُلهمني بملاحظات ثانية وثالثة. لحظتها خلّفتْ في نفسي أثرا وإحساسا بالبهجة فخطر ببالي أنني أنا من كتبتها جزءا ثالثا لروايتين سابقتين لي: " زمن الشاوية " و"رائحة الجنة". ثم تأتي روايتها الجديدة "ابن تومرت أو الأيام الأخيرة للملثمين"(ملتقى الطرق، ط2-2021)لتؤكد حالة الذهول، ولأكتشف أن منى هاشم تؤكد كتابها الأول بكتابات في الرواية والتاريخ والبحث الجينيالوجي والروحي للجماعات المغربية. إنها مثل النهر الذي ينهض من باطن الأرض ليروي ويرتوي من الذاكرة والراهن في مجرى لا ينتهي، مليء بالمنعرجات والمفاحآت واللاتوقعات.

فن الرواية مدين لنجيب محفوظ، فهو بلزاك الرواية العربية لا يختلف على ذلك اثنان من النقاد ويمكن اعتبار كتابات الرواد أمثال العقاد، طه حسين، الحكيم ،هيكل، يحي حقي ،المازني المحاولات التأسيسية الأولى.
نجيب محفوظ (1911/30أغسطس2006) ابن حي الحسين الشعبي بالقاهرة الذي نشأ في بيت يتميز بالسماحة واليسر والمرونة بعكس ما أشيع بأن أحمد عبد الجواد في الثلاثية وهو القاسي الصارم المولع بالنساء هو والد نجيب محفوظ ،وقد ظل محفوظ ينفي ذلك نفيا قاطعا ،في هذا الحي الذي يتميز بالأواصر الاجتماعية وبالإحساس العميق بالانتماء إلى الحارة والوطن فتح الولد بصره على عالم الطفولة البرئ ومرحها، ودنيا المنشدين والمقرئين والقصاصين الشعبيين والمتصوفة ومجالس العزاء والطرب كما هو عالم السياسة حيث نما الشعور الوطني بالرغبة الجارفة في التخلص من الاستعمار كما تجلى ذلك أيضا في نضال زعيم الوفد سعد زغلول القدوة في العطاء وحب الوطن والثبات على المبدأ وقد أحبه محفوظ وانتمى في عمقه إلى الوفد كما كان عالم الأدب يسير ثابتا نحو التأصل والتجديد في الشعر بذخت راية الكلاسيكية فيه على يد البارودي وشوقي وإسماعيل صبري وحافظ والنثر تخلص من الركاكة والإسفاف والتصنع والحذلقة البيانية وغدا نثرا فنيا رفيعا جامعا بين عمق الفكرة ورصانة اللغة في غير تكلف والمحاولات التأسيسية النقدية تتقدم على يد سيد علي المرصفي وأحمد الإسكندري وحفني ناصف ثم العقاد وطه حسين فيما بعد.

 ملاحظة في صورة الغلاف والعناوين
رواسب: هي مجموعة قصصية لمؤلفها عصام العيون مكونة من عشر قصص كما صنفها الناشر، تقدم المجموعة وتذيل بفقرة عنونها الكاتب ومضة، وهي عبارة عن إضاءة لما ستتضمنه المجموعة وكأنها تقييد مسبق للقارء، حتى لا يشطح بفكره هنا أو هناك.
 يقول الكاتب: "...تفاصيل لبعض مظاهر حياتنا او ما ندعي اعتقاده ...في حياتنا اليومية بين ما نمارسه وما نرسمه من لوحات مشوهة على صفحاتنا..".

لوحة الغلاف:

عبارة عن صورة فتوغرافية واقعية، أخذت من داخل مكان مهجور يعلوه التراب والإهمال، يتضمن عتبة خشبية عبارة عن إطار لباب خشبي قديم مصنوع بطريقة يدوية غير متقنة، مما جعل مسامير عديدة مغروسة وبادية دون تنسيق، وكأن صانعها لا يرغب في التجمل أو الاتقان وإنما يطلب أدنى مستويات الحماية من الخارج. هذا الباب وإن كان مفتوحا على الخارج فإنه لا يقدم أي معلومات عنه، فقط وهج قوي يمنع تدفق أي خبر عما يقع خارج هذا المكان المهجور.

الترجمة قبل أن تكون نقل المعارف من لغة إلى أخرى، فهي فن يشمل الاختيار الذكي والدقيق والحاجة الثقافية، وهو ما يجيده خالد بن الصغير( كلية الآداب- جامعة محمد الخامس بالرباط) الذي أثرى المكتبة المغربية بتأليفات وترجمات أسهمت في مراكمة معرفة تاريخية وثقافية لها أهميتها في أسئلة الحاضر وقضاياه.
وقد اختار مؤلَّف " القضاء المتعدد: اليهود والمسلمون في المغرب المعاصر" الصادر في لغته الإنجليزية سنة 2017 ضمن منشورات جامعة يال الأمريكية لمؤلفته جسيكا مارجلين، الأستاذة والباحثة في تاريخ الأديان والقانون والتاريخ المعاصر بأمريكا. كتاب يتحدث عن موضوع جديد "لم تسبق معالجته إلا بطرق عرضية في بعض الدراسات الكولونيالية، ويتعلق الأمر بالقضاء والعدالة في المغرب المعاصر؛ وذلك من زاوية العلاقات بين المغاربة واليهود وجيرانهم المسلمين منذ أواسط القرن التاسع عشر، إلى حدود الحقبة المعاصرة".

على سبيل التّقديم
يَشْتَرعُ كتابُ "شيخوخة الخليل"،* للنّاقدِ المغربي "محمّد الصّالحي"، أفقاً نقديّاً متفرداً في مُساءلة قَصِيدة النّثر العربيّة، وتحديد ماهيّتها وخصائصها البنائيّة والشكليّة والفنيّة والإيقاعيّة، بِعَدِّهَا إِمْكَاناً جديداً من مُمكناتِ الصّوغ الشعريّ. ويتبدّى هذا الأفق النقديُّ الجديدُ، في سعي النّاقد، بحذقٍ ومكابدةٍ وتروٍ، إلى تبديل موقع وآلياتِ النّظر إلى هذه القصيدة التي رزحت، رَدْحاً من الزّمن، تحت وابلٍ من الدّراسات المشروخةِ بالنّزعةِ الدّعائيّةِ والاختزاليّةِ والسطحيّةِ. بهذا المعنى، يجترحُ هذا الكتابُ مُقْتَرَباً نظرياً عميقاً، غايتهُ الأساسُ الصّياغةُ العلميّة الملائمةُ للواقعِ الشّعري لقصيدةِ النّثر.

وفي هذا المَسْعى المحفوفِ بالمطبّاتِ، وعبرَ امتدادِ فصولِ الكتابِ، لا يَنِي النّاقد يضعُ المسلّمات الصّلبة، التي سّيجت قصيدة النّثر العربيّة، موضعَ المساءلةِ والتّمحيص؛ ليكشفَ، بمسباره النقديّ، تَهَافُتَ بعض هذه المسلّمات وهَشَاشَةَ مُنْطلقاتها الإبستمولوجيّة. ذلك أنّ الخطابَ النقديَّ الذي واكبَ ظهور قصيدة النّثر خلال ستينياتِ القرن الفائتِ، ظلّ قاصراً عن إدراك كنه هذه التّجربة الشعريّة بما تنطوي عليهِ من مقوماتٍ وخصائصَ، وعمدَ إلى مُعالجتها بالاستنادِ إلى مقارنتها بأشكالٍ أُخرى، أو الاحتكام في تحديد تُخُومِهَا إلى معاييرَ طباعيّة أو غيرها من المعاييرِ الخارجيّة التي تهملُ شعريّة النّص. والشّعريّة، هاهُنا، مقصودٌ بها تلكَ الطّاقة الخفيّة/ الداخليّة التي تجعلُ من نصٍّ ما نصّاً شعريًّا، بصرفِ النّظر عن الإسقاطاتِ الخارجيّة أو هَواجِسِ المقَارنَة.

بهذه الإضمامة الشعرية التي وسَمها الكاتب، والمسرحي، والشاعر محمد الشوبي بعنوان "وطن على حافة الرحيل"1، يواصل سبره لأغوار الأجناس الأدبية المختلفة. فقد استهل إصداراته أوّلا بالسرد، في مجموعته القصصية "ملحمة الليل" (2014)، وثنّاها بمسرحية "حر الغرام" (2017)، وتخللَتها مقالات صحافية في الفن، والسياسة، والإعلام، هو الآن بصدد جمعها وإعدادها للطبع في كتاب. ولعل هذا التجوال بين الفنون الأدبية مرده إلى طبيعة شخصية الشاعر، التي نراها دائمة الترحال بين الفضاءات والأمكنة المختلفة، داخل الوطن، وخارجه، كما تنمّ عن ذلك التذييلات التي يوثِّق بها كل قصيدة. فقصائده كُتِبت في مدن مختلفة، بعضها ذات رصيد حضاري وثقافي معروف، وأخرى تعيش على الهامش، فنفخ فيها من روحه، وبعث فيها الحياة بدفء كلماته، ونسغ أشعاره. ولئن استأثرتْ بعض المدن بأكثر من قصيدة في الديوان، وأوحت للشاعر بالكتابة عنها، وفيها، فلأنها، دون شك، تركتْ في وجدانه أثرا، وأشعلتْ بداخله فتيل الإبداع، وألهَبتْه بحرقة الكتابة.

حين بدأت قراءة رواية "تدريبات على القسوة" للكاتبة الكبيرة عزة سلطان والصادرة عن دار روافد للنشر والتوزيع، كنت أظن أنني سأقرأ بوح امرأة مثقفة طحنتها الحياة كما فعلت بالكثير من المثقفات اللائي يكافحن من أجل إثبات وجودهن.. لكنني فوجئت منذ البداية بجمل لم أتوقع أن تكتبها كاتبة عادية مما دفعني إلى التواصل مع الكاتبة والتي سألتها عمن كتب  السطور الأولى ..

خالفت الرواية كل ظنوني وهي كثيرة فلم تحك عن ويلاتها وخيباتها حياتها أو حيوات صديقاتها الكثيرات بل اختارت أن تتماهى مع فتاة تقتات من خلال جسدها..

لم تكن صدمة عميقة بالنسبة إلي أن اتعرف على الشخصية المحورية والتي أبدعت الكاتبة في وصف حياتها وطفولتها والأسباب التي دفعتها إلى اختيار ذلك الطريق الموحش والذي يقتل من تختاره .

منذ شبابي المبكّر، أواسط ستّينات القرن الماضي، في مدينة باجة التي همّشتها دولة الاستقلال، وجعلتها قفرا بلقعا على كلّ الصعد، ولا سيّما على الصعيد الثقافي، كانت تبلغ إلى مسمعي رغما عن ذلك عبارات الثناء والإعجاب بالشاعر منوّر صمادح الملقّب بشاعر الحريّة والثورة، لنزوعه الدائم إلى تجاهل المحاذير والقفز على حصون المحظور السياسي التي شيّدتها سلطة "الزعيم الأوحد'' آنذاك، للتقليص من مساحة حريّة التفكير كما التعبير قولا وكتابة. بما جلب انتباهي إلى اسمه ليستقرّ في الذاكرة. وذلك بحكم إنجذاب الشباب إلى فعل التمرّد على السلطة أكثر من انجذابه إلى موالاتها. لا سيّما في تلك الفترة التي شهدت انتشارا سريعا للفكر الشيوعي التروتسكي (Trotski) الثوري بين الشباب. ولم أكن في تلك المرحلة أتذوّق الشعر، ولا أتوفّر على أدوات فهمه لتخطّي عتباته والولوج إلى مضامينه، فضلا عن تحليله وفتح مغاليقه وتقييم جماليته بأدوات نقد وتحليل الخطاب الشعري سيميائيّا، انطلاقا من العنوان ثمّ الفاتحة النصّية والخاتمة، ودراسة الأضداد والتناص، وثنائيّة التشاكل والتباين(1)، لدراسة الصوت والمعنى بما هما رمزية تشاكل الصوت، ورمزية تشاكل الكلمة.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة