كثيرة هي الكتب ، في الساحة الثقافية ، التي تهتم بالنقد العربي ، وقليل منها ما يبقى راسخا في الأذهان . فعندما تبحث عن الأسباب ، التي تبوئ هذه المراجع المكانة المتميزة والراقية في خريطة النقد العربي ، تجد السدى المتين الذي يشد بناءها المعرفي المتماسك ؛ مقاوما بذلك عوادي الزمن ، وتقلباته المعرفية والثقافية . فعلى المستوى المنهجي ، إنصات كلي إلى المناهج الحديثة ، وما جادت به من نظريات تخدم تلقي النص الأدبي ، منفتحة تارة على ثقافة الآخر ، وعلى ما يدور في فلكه من نصوص نقدية تارة أخرى . أما على مستوى الفكري ، فانتظام الأفكار فيها وتسلسلها يخلق عالما من التأمل و التحليل ، ويكبد القارئ مشقة إعمال العقل بقوة ؛ لاستبانة إشكالاتها المعرفية والثقافية والتاريخية ، وتدفعه ـ أي القارئ ـ نحو أخذ مسافة الأمان بينه وبين النص الأدبي ، مبرزا موقفه تجاه ما يعج بها من نظريات وأفكار ومعارفَ . أما على المستوى اللغوي ، فتصيد المعجم المناسب ميسم دأبت عليه هذا النوع من النصوص المتميزة ؛ بهدف تفكيك واستجلاء الغامض والمبهم من المفاهيم والقوانين الثاوية فيها . تلكم أهم توصيفات كتب الكاتبة اللبنانية حكمت صباغ الخطيب المعروفة ب : يمنى العيد .

بقدر سعادتنا بمثل هذه الملتقيات التي نجدد فيها الوصل بأصدقاء نعزهم ونحمل لهم في قلوبنا من الود ما لا تتسع له الصدور... نشعر ببعض الغبن عندما يطب منا الإيجاز في ما يستوجب الإطناب، ويفرض علينا تقديم أكلة سريعة خفيفة لضيوف استأنسوا المأدبات الثقافية الدسمة، لذلك نعتذر منذ البداية عن أي تقصير في تقديم قراءة سريعة حول مشروع ثقافي متكامل لمفكر مثقف نقابي كاتب يجمع بين الإبداع والنقد...  ولج شعيب حليفي عالم الكتابة الروائية مطلع تسعينيات القرن الماضي بمساء الشوق 1992 لتتوالى تدفقه السردي عبر: زمن الشاوية 1994، وروايات أنا أيضا: تخمينات مهملة"، و"رائحة الجنة"، و"لا أحد يستطيع القفز فوق ظله" "مجازفات البزنطي" "أسفار لا تخشى الخيال" "تراب الوتد"  "سطات" و "لا تنس ما تقول" ليكون من القلة القليلة في الرواية المغربية الذين استطاعوا خلق تراكم روائي  يستحق أن يكون موضوع دراسة ، ويفرض أسئلة عن الثوابت والمتغيرات في مشروع شعيب حليفي؟ الموضوع الروائي؟ اللغة الروائية عند حليفي؟ الوعي والشخصيات؟ البناء الزمني؟ البناء الروائي؟ أساليب الحكي؟ الغاية من تورط حليفي في الكتابة الروائية؟ وخصوصيات الكتابة الروائية عند حليفي؟

يعد محمد زفزاف واحدا من أساطين الأدب المغربي ، وأنا في ميـْعة الصبا ، قرأت مجموعته القصصية " العربة " ، التي كانت أيقونة ، بكل المقاييس ، تصور تصويرا فوتوغرافيا الواقع المغربي . في الحقيقة ، كان اندهاشي كبيرا عندما أحسست أن للأدب طاقة خلاقة يكتشف بها هذا العالم هذه الحياة ، بل إن الانبهار كان على أشده و سيد الموقف ، عندما أصبح الأدب قادرا على أن يفعل الكثير ، كما قال الكاتب البيروفي ماريو فارغاس يوسا .
صهيل محمد زفزاف جاء من أدغال نهر سبو، حيث عانق الفقر ، واحتضنه كما يحتضن جائع رغيف خبز حاف . انتظم إبداع زفزاف في السرد والشعر . في المرحلة الثانوية كانت أولى قصائده تتفتح على رحيق الصبا ، حيث تنبأ له أستاذه الدكتور ابراهيم السولامي بفجر واعد في الأدب . كانت الانطلاقة الحقيقية من وراء المجاميع القصصية ، التي أصبحت سراج هذا الثعلب الذي يظهر ويختفي . فضلا عن ذلك ، فانطلاقا من مجموعته القصصية " حوار في ليل متأخر " إلى الأعمال الكاملة القصصية والروائية ،التي تحسب لوزارة الثقافة المغربية ، جاءت الشهرة إلى محمد زفزاف تغني ليل الصابرين . فبقدر ما تزداد أسهمه في بورصة قيم ورواسخ الإبداع ، بقدر ما يزداد ترسخا وتعلقا بأصلاب مهمشين ومنبوذين وتعساء في المجتمع . لم يكتف ، محمد زفزاف ، بإخراج أصواتهم المبحوحة إلى العلن ، وإنما صورهم كما فعل ، بأبطالهم ، الكتاب العالميين من أمثال إرنست إمنغواي و أنطوان تشيخوف وغي موبسان .

كالصاعقة نزل على المثقفين خبر رحيل الروائي والناقد إبراهيم الحجري في عز عطائه بعد غيبوبة مفاجئة لم يفك الطب شفرتها، وكالزلزال أصاب عائلته الصغيرة زوجته وابناؤه، وصبرا جميلا لوالدته التي فقدت قبل فترة قصيرة من أخاه، وعزاؤنا أن الكاتب لا يموت، فقد خلف إبراهيم خلفه ثراثا أدبيا هاما منه :
1- "أبواب موصدة" مجموعة سردية، دار القرويين، البيضاء 2000.
2- "أسارير الوجع العشيق"، منشورات وزارة الثقافة، الكتاب الأول، 2006م.
3- آفاق التجريب في القصيدة المغربية الجديدة، منشورات وزارة الثقافة، سسلسلة أبحاث، 2006م.
4- "استثناء" قصص، منشورات مقاربات، 2009م.
5- النص السردي الأندلسي: نقد، منشورات المجلة العربية، المملكة العربية السعودية، 2010م.
6- رواية صابون تازة، دار رواية، القاهرة، مصر العربية، الطبعة الأولى 2011م
7- المفهومية في التشكيل العربي: نماذج ورؤى، منشورات دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، الإمارات العربية المتحدة 2012م.

" ميكايلا " هي المجموعة القصصية السابعة للقاص المغربي لحسن حمامة وهي قصص تغني (ريبرطاوره) السردي بما تتضمنه من تيمات تمتح من مصادر متعددة ، ومرجعيات متنوعة مما يضفي عليها طابع عمق إبداعي يزخر بزخم جمالي ودلالي تغدو معه النصوص أكثر انفتاحا ورحابة وإيحاء.
فقد عمد الكاتب للكشف عن ( طابوهات) ظلت حبيسة الحجز والكتمان في نص " ميكايلا " بالخصوص وهي الطالبة الكندية التي دشنت فصول علاقة مع الطالب المغربي عبد السلام انطلقت من إعجاب داخل عربة المترو : " فقد بدأت في الحقيقة علاقتي بك في عربة المترو ... منذ ذلك الوقت وأنا أشعر نحوك بميل خاص وبعلاقة عاطفية تنسج معك " ص 86 لتتطور عبر مكاشفة نتأت أولى خيوطها لنسج شبكة تباين اجتماعي تجسد في وضعية أسرة ميكايلا : " أبي رجل أعمال كبير بكندا " ص 84 ، ووضعية أسرة عبد السلام : " أما عن وضعية أسرتي فهي أسرة متواضعة . صراع أبي الحقيقي مع لقمة الخبز . أمي تعمل في البيت " ص 86، تتشكل معه معالم مفارقة تتعدد تجلياتها ، وتتحدد تمظهراتها ليطال بنية المجتمع الاقتصادية : " هذا الميناء يعتبر من أهم الموانئ الكبرى في العالم يوفر لاقتصاد البلاد المال وفرص العمل" ص 92 على مستوى تنمية تعود بالنفع على الفرد والمجتمع، عكس بلده الذي تخترمه نواقص واختلالات : " مشكلتنا الرئيسية هي في كيفية تكوين وتأهيل الإنسان.

 1 - في البدء كان العنوان:
حين شبّه جاك دريدا العنوان بالثريا(2) اختصر كل الإضاءات التي يمنحها للنص. إنها تتدلّى فوقه، فتضيء عتماته، وتكشف أسراره الخفية، وتنير زواياه القاتمة. وبما أن العنوان أول تواصل بين الكاتب والمتلقي، فإنه يأتي في شكلِ أكبر تكثيف ممكن لمعاني النص، وأعلى اقتصاد لغوي يمكن أن يُختزَل إليه المتن الذي تحته. إنه كالمنارة التي تَهدي القارئ، حين يَلفت نظره، ويسترعي انتباهه، قبل اسم الكاتب نفسه، في كثير من الأحيان. وهو بذلك يشكل مكونا رئيسا من مكونات "النص الموازي"(3) كما سماه جيرار جينيت. ولا شك أن الكاتب يحمِّل العنوان من الدلالات، ما قد يَفيض عن النص، ويجعله حمّال أوجه في القراءة والتأويل، سيما حين يضع مسافة بين المتن وعنوانه، تستلزم من القارئ عُدّة من آليات التحليل، وأدوات التفسير والتأويل.

1 - تعريف بالكاتب
الفرزدق عبد الله حسن، كاتب سوداني من مواليد مدينة « ود مدني»، خريج لغة انجليزية و حاصل على ماجستير ادارة الأعمال من الجامعة البريطانية.
علاقته بالكتابة بدأت منذ الجامعة حيث نشط مع عدد من الأصدقاء و المولعين بالأدب من خلال اصدار جرائد أدبية حائطية ثم تواصلت منذ ذلك الحين دون انقطاع.
بعد الجامعة اشتغل بالتدريس لمدة معينة قبل الإنتقال لمجال التخطيط وتطوير الاعمال حيث يعمل الآن.
تعتبر رواية « أهزوجة أعلى النفق » باكورة أعماله الأدبية و نصّه الأوّل الذي تفتّح في انتظار اعمال قادمة له قيد الإشتغال، منها رواية « أبناء خاصرة النيل »

2 - رواية « أهزوجة أعلى النفق »
صادرة عن دار المصورات السودانية للنشر و الطباعة و التوزيع في طبعة أولى لسنة 2020.
و قد وردت في مائة و اثنين و ثلاثين صفحة، افتتحها الكاتب بأربع اهداءات ثم اتبعها بتصدير. كما تضمنت ثمانية فصول هي على التوالي شفّاتي، الكنداكة، 6 افريل، دماء على المتاريس، متاريس الموت، السقوط، دماء في رمضان و الإيقاع الأخير.

رمزية العنوان
يعتبر عنوان الرواية بصيغته مزدوج الوظيفة، فهو إذ يشير إلى ما يعتبر عاديا في وجباتنا اليومية "تناول قهو بحليب" يحمل دلالة أخرى تتعلق بقيم ومبادئ بمبادئ المساواة وبالتعايش بعيدا عن التفريق بين الناس استنادا إلى ألوانهم.
عنوان رامز إلى العنصرية التي عششت في أذهان الملايين من مختلف بقاع العالم، يشهد ذلك حتى في الدول التي تدعي وتتبجح بالديمقراطية وحقوق الإنسان. فالحليب يحيل على "ميادة" امرأة من سوريا باعتبارها بيضاء البشرة، والقهوة تحيل على "مامامدو" من ساحل العاج، وبين التفاعل المبني على الحيطة والحذر من جانب ميادة بالخصوص، سيتوافقان ويختلطان فيتحولا إلى مشروب سائغ مطلوب "قهوة بحليب".
عنوان الرواية بهذه الصيغة يعتبر بوصلة تنحو تجاهها كل أحداث الرواية رغم القضايا الفرعية التي تتقاسمها والتي يؤطرها هاجس الهجرة بأي الطرق هروبا من الخطوب والمنغصات التي تضج بها بلدان.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة