
بين هذا الموقف وذاك ارتأينا أن نقف عند أحد المفكرين العرب الذي ساهم بفكره الإصلاحي –إلى جانب مجموعة أخرى من المفكرين – أواخر القرن 19 في تجديد ونهضة الثقافة العربية: إنه الشيخ محمد عبده.
ما يهمنا من محمد عبده ليس هو ما قاله في هذه المسألة أو تلك بل ما هي منطلقاته النظرية والفكرية أو بالأصح مرجعياته النظرية في حديثه عن علاقة الإسلام بالمدنية أو بالحداثة بشكل عام. إننا لا يمكن أن نفصل محمد عبده عن محيطه الثقافي والتأثر به والمتمثل في التراث من جهة وفي الإصلاحات والتحولات التي جاءت بها ثورة محمد علي بالإضافة إلى آثار ومخلفات الغزو النابوليوني لمصر من جهة ثانية. كما لا يمكننا أن نعزله عن التأثيرات الثقافية الغربية التي سادت القرن 19 المتمثلة في الفكر الليبرالي والنزعة الوضعية على الخصوص. إن هاتين المرجعيتين هما الموجهتان لمنطق تفكير محمد عبده إما في جداله مع فرح أنطون والجامعة من خلال مجلة المنار، وإما في جداله مع هانوتو ورينان من خلال كتابه "الإسلام دين العلم والمدينة"، فيما يخص علاقة الإسلام بالتسامح أو بفصل السلطتين الدينية والسياسية أو بموقف الإسلام من العقل واستعمالاته في الأمور الدينية والدنيوية، مما يجعلنا نقف على خطاب يتجاوز بكثير من حيث رؤيته المتنورة والمندمجة في عصرها، بعض الكتابات النكوصية الموغلة في النصية ومعاداة كل تجديد واجتهاد.