سفينة الربيع العربي التي أبحرت من تونس عادت إلى مرفإ الانطلاق خاسئة حسيرة. ومرساها في تونس ليس على الجوديّ، فهي تترنّح وقد اشتدت بها الريح في يوم عاصف. ذلك ما لاح لي خلال شهر أغسطس/أوت الذي قضيته في بلدي. فالتجربة تشهد امتحانا عسيرا، ومكابرٌ من يدعي ان الأوضاع مستتبة والعواصف سكنت. لقد تعثرت الأمور في جل الميادين، وطفح مقتٌ من قلوب الناس شاع على الألسن. وأرجّح أن الحالة عائدة بالأساس لعامل رئيس على صلة بمسلك حركة النهضة. أن النظر للواقع لدى قادتها، يختزل عقماً تاريخيا يعاني منه العقل الديني الإسلاموي، بموجب افتقاره إلى السداد والحصافة والفطنة. فهناك اعتماد على الولاء المستند إلى المعايير الحزبية البالية، دون إيلاء انتباه إلى شروط القوة والأمانة والعلم والكفاءة الواردة في قوله تعالى: "قالت إحداهما يا أبت استأجره إنَّ خير من استأجرت القوي الأمين" و"قال اجعلني على خزائن الأرض، إني حفيظٌ عليم".
الخطاب الإعلامي بين الذاتية و الموضوعية: هل الفضائيات هي التي صنعت الثورات؟ ـ عبد القادر ملوك
درج الاعلاميون في معظم المنابر الاعلامية على القول بأن مهمتهم كإعلاميين تنحصر في نقل الخبر كما هو لا غير، و هي مقدمة تخفي نتيجة مضمونها حيادية الاعلام و نزاهته بل و أمانته في نقل الأحداث و الوقائع كما هي دون زيادة أو نقصان و دون أي إقحام للذات في الموضوع. و هذه النتيجة الأولى تقذف بنا في اتجاه نتيجة أكبر عنوانها موضوعية الإعلام و الاعلاميين، مع ما يعنيه هذا المفهوم (الموضوعية) في حقل العلوم الحقة كالرياضيات و الفيزياء و غيرها. من هذا المنطلق سنحاول ان نطرق بعض جوانب هذا الموضوع انطلاقا من جملة من التساؤلات نوردها على الشكل التالي:
هل الإعلام موضوعي فعلا في تعاطيه مع الأحداث و الوقائع التي ينقلها؟
ألا يقحم الإعلامي ذاته بشكل من الأشكال في المواد الإخبارية التي يقوم بنقلها و تبليغها؟
هل كانت قناة الجزيرة، كمثال، موضوعية في تعاملها مع أحداث الثورات الأخيرة؟
علم السياسة والمعطى الديني عند حنة أرندت ـ زهير الخويلدي
" لا يمكن للسجل السياسي أن يظهر ويستمر الا داخل القوانين ولكن لا يتكون ولا ينمو هذا السجل الا عندما تتقابل شعوب مختلفة"[1][1]
من غير المعقول أن يكون المُشرّع السياسي هو الفقيه الداعي الملتفت إلى نصوص الماضي ومن غير المنطقي أن يتم استبعاد رجل العلم الذي يربط المسببات بالأسباب والذي يستنتج حصول الأحداث من المقدمات المنطقية والقواعد الكبرى. لذلك ينبغي التعويل على القارىء المؤول ، فهو المدبر المتعقل الذي يستخدم فن الفهم من أجل التمعن في مجريات الأمور والإصغاء إلى غبار المعارك والمنعطفات واستخلاص العبر والدروس من التحولات العنيفة والهزات بعد اقتلاع قصور الشمولية.
على هذا النحو من الضروري أن ينهمك المفكر اليوم في البحث عن المعنى عن طريق فهم عميق للوضع البشري والأحداث السياسية وتحديد مساهمة الدين وحضوره وتأثيره في الأحداث وفي الفعل السياسي.هناك نقاط مشتركة بين المجال السياسي والمجال الديني وتتمثل في التجربة التأسيسية واشكالية البدء والانطلاق وأيضا اشكالية النهايات والخواتيم وتجربة الأهداف الكلية والغايات الكبرى التي يسعى الفاعلون إلى انجازها واتمامها، من هذا المنطلق ترى حنة أرندت "أن الابتداء يشكل من وجهة نظر علم السياسة ماهية الحرية الانسانية في حد ذاتها"[2][2].
الإسلام السياسي والافتقار إلى مكوَّن حداثي ـ عزالدّين عناية
في لقاء جمعني بالمفكر أبويعرب المرزوقي في أبوظبي، تطرقنا إلى المسار الذي تسير فيه تونس، وإلى دواعي استقالته من مهامه السياسية التي كلّف بها. أوجز الرجل كلامه، معربا عن رفضه أن يكون شاهد زور على مسار سياسي، وبما يعني أنه لا يريد أن يكون "مفكر كومبارس" لمجرد إضفاء الزينة. فحين لا يحتمل ساسة مفكرا جنبهم وضمنهم فالأمر جللٌ ومؤشر خطير. مع أن الحاضنة الاجتماعية الحاملة لسياق التحولات الكبرى تقوم على تحالف وتضافر، بين مثلث رجال الفكر والساسة وأرباب الصنائع. فقط بتوكيل تلك القوى الاجتماعية المهمّة المنوطة بعهدتها، يمكن للدولة أن تشتغل بمثابة آلة عقلانية مثمرة، وإلا تغدو آلة يتهددها العطل في كلّ حين. لكن ما يلوح مع الترويكا في تونس التي آلت إليها مقاليد السلطة عقب الثورة، أن أضعف الحلقات فيها وهي حلقة رجال الفكر، الشقّ الأكثر تهميشا وتحقيرا، جنب العاملين في الحقل الثقافي عامة.
من زمن الهيمنة إلى زمن الاعتراض : قراءة في الارتباط بين الدلالات المباشرة للتحولات الراهنة ومغازيها المتعالية ـ محمد عمر سعيد
إن الذي يجعل الجماهير في حالة من التيه المستديم أمام ما يحصل من تحولات وعدم استقرار لا يعالج إلا بأداء المفكر دوره في تخريج المغازي الثاوية وراء الجزئيات والتفاصيل اليومية للحظة الراهنة، وغياب هذه المغازي هو الذي يدفع الكثرة إلى فقدان الرؤية السليمة وسيادة التفسير العبثي للأحداث.
وواقع الحال أن المسؤول الأول عن إخراج الجماهير من حالة التردد والحيرة التي تصل بها حد التشوق إلى استعادة وضع مضى زمانه إنما هم المفكرون الذين يَبدون في كثرتهم الكاثرة اليوم تائهين في دوامة التحيُّر؛ فمن للأمة إذن إذا ما غاب عنها وعي المفكرين؟! والسياسي نفسه غير قادر على استيعاب اللحظة في دلالاتها المتعالية أعني مغازيها التاريخية والاستراتيجية العميقة، فغياب دور المفكر في هذه اللحظة ترمي به في بقايا المرحلة التي تسعى الجماهير اليوم لتجاوزها، أي أنها ستجعله حتما من مخلفات الماضي.
ذلك ما يعني أن ننتظر جيلا جديدا من المفكرين سيولد من رحم التحولات العسيرة، إذ حينها سوف لن ترحم الجماهير ذات الروح الجديدة مفكر اليوم التائه بين مصالحه التي تأتيه من الماضي ومبادئه التي يحملها المستقبل، آمالا وتطلعات كان هو نفسه يتشدق بها ويدندن حولها، حتى إذا أقبلت وجاءت بكل زخمها وجدناه ناكصا عنها متحصنا بالماضي ليواري سوءته التي غطتها مراحل الماضي، فمن سيحملها إذن إلا قوم يستخلفهم الله عنا ثم لا يكونوا أمثالنا.
أفكار فلسفية حول مشروع الدستور ـ زهير الخويلدي
" يتعلق الأمر إذن بإيجاد شيء له هذه الكثافة والوضعية التاريخية وهو من نظام القوة وليس من نظام القانون، وهو من نظام التوازن وليس من نظام الكتابة"[1]
لعل الغرض الأول من هذه التجربة التفكيرية هو البحث عن المغزى الفلسفي من كتابة الدستور في المنعطف السياسي الذي يمر به المجتمع المدني والوسيلة الهرمينوطيقية التي نستعملها في ذلك هو نص مطول للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو من كتابه: يجب الدفاع عن المجتمع، وهو عبارة عن دروس كان قد ألقاها في الكوليج دي فرنس يوم 3 مارس 1976 بعنوان "الدستور والثورة والتاريخ الدائري"[2].وعلى الرغم من أن السياق الذي ورد فيه النص مختلف ويتعلق بنزاع معين ومعركة سياسية جرت في القرن الثامن عشر ميلادي وبالرغم من الأهداف السياسية المرجوة منه قد تجاوزتها الصيرورة التاريخية إلا أن ذلك لا يمنع استعمالنا لبعض المفاهيم والرؤى النقدية التي وردت فيه والتعامل بايجابية مع مضامينه في علاقة بلحظتنا الراهنة.
" الديمقراطية السياسية"، وتغيير النظام الاقتصادي والاجتماعي الرأسمالي" ـ خالد غميرو
علا اليوم مطلب /شعار الديمقراطية في العالم بشكل لم يسبق له مثيل بل أصبح هو المؤطر الأساسي لكل الحركات السياسية خاصة في العالم العربي وما يسمى بدول "العالم الثالث"، بعد ما عرفته ولا زالت تعرفه من انتفاضات واحتجاجات تطالب بالديمقراطية كمطلب أساسي ورئيسي لحل أزمة الحكم وأزمة حقوق الإنسان والحريات وكرامة العيش، فجميع التيارات والأحزاب والحركات السياسية أصبحت ترفع "شعار الديمقراطية" رغم اختلاف توجهاتها وإيديولوجياتها، بل حتى بعض التيارات الدينية التي كانت إلى وقت قريب تنشد الحكم بإقامة "دولة الخلافة" أو "الدولة الدينية" أقحمت في مطالبها وشعاراتها "الديمقراطية" لتساير هذه (الموضة) وتكون طرفا في هذه الديمقراطية المنشودة. إن هذا التحول الكبير اليوم في المطالبة بالديمقراطية بهذه الحدة يطرح في نفس الوقت مجموعة من التساؤلات حول الديمقراطية نفسها؟ وماهية المضامين التي يحملها هذا المطلب أو هذا الشعار اليوم؟ ولماذا هذا النزوح الجماعي نحو الديمقراطية بهذا الشكل؟
من نظام الاستبداد الى الدولة الديمقراطية ـ زهير الخويلدي
" الديمقراطية بصفتها نظاما يتضمن التحكم بالمواطنين وفصل السلطات وتعددية الآراء وصراع الأفكار هي الدواء الشافي للسلطان المطلق لجهاز الدولة وجنون السلطة الشخصية."[1]
ماهو بديهي أن طبيعة الدولة التي تتبني خيار الاستبداد هو تعليق كل ممارسة ديمقراطية وإلغاء التعددية واحتكار ثروات المجتمع من طرف الطبقة الحاكمة وسن القوانين التي تحافظ بها على مصالحها وتعيد إنتاج هيمنتها على المكونات والقوى المتنافسة بشكل دائم. ومن الواضح والمعروف أن إعلان نظام سياسي ما تبني خيار الديمقراطية والشروع في تفعيل آليات معينة لتجسيم هذا الخيار هو كفيل بالتخلص من الاستبداد والحكم الفردي والكف عن تسيير الشأن العام باستخدام القوة واعتماد التشريعات الجيدة واحترام نصوص الدساتير. لكن المفارقة تظهر عندما تتجمل الأنظمة الاستبدادية بالديمقراطية وتستعمل هذه الفكرة الحقوقية النبيلة من أجل توطيد أركان الحكم المطلق وتبقى عليها في الواجهة وتتبجح بالشعارات السياسية الفضفاضة لا غير وتتناقض معها في ميدان الممارسة ومجريات الأحداث اليومية.