" ان التنمية هي أساسا مسار تفهمي...لتعزيز التبادلات المفيدة ...وتحسين أداء شبكات التأمين الاجتماعي أو بلورة الحريات السياسية."[1]
ظهر مفهوم التنمية développement في الكلام السياسي والصحفي المتداول بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة أثناء فترة التحرر الوطني من الاستعمار وذلك بعد خروج البلدان المتضررة منهكة القوى مصدومة ومتعبة بعد الدمار الذي تعرضت له والإفراط في الاستغلال ونهب الخيرات وهروب الدول المستعمرة بمدخرات الدول الفقيرة والإبقاء عليها في حالة تبعية. وقد شمل مفهوم التنمية البشرية في البداية الادارة والسياسة والثقافة ولكنه ما لبث أن توسع ليشمل الاقتصاد والاجتماع ويطور الأبنية والقواسم المشتركة وتهيئة الظروف الملائمة وتطوير أنماط المهارات والقيم لدى الأفراد والجماعات من أجل تحسين الموارد[2]. وقد يعني مصطلح التنمية بعض الدلالات مثل التطور والنماء والازدهار والتراكم الكمي من ناحية ولكنه يشير الى التقدم والطفرة والتغيير والنقلة النوعية من ناحية أخرى.من هذا المنطلق ان " التنمية هي مسار تكوين وجود منظم بالانطلاق من بذرة معينة"[3].
السياسة وتطلعات المواطن ـ عزيز العرباوي
السياسة هي فن الممكن يوصل إلى هدف مشروع ضمن سياقات من القيم والأخلاق والمبادئ المتعارف عليها إنسانياً، بحكم ارتباط الإنسان بأخيه الإنسان داخل المجتمع الواحد، ولكون فن السياسة متمايز عن العديد من الفنون الأخرى، ويتصف بصفات معينة تكاد تختلف جوهرياً عن صفات الفنون والقيم الأخرى. ومن الأفضل، ألا نفكر في بحث حقيقة السياسة، إلا إذا بحثناها من الناحية الواقعية واقترانها بالحياة البشرية، لأنها تقدم المجتمع مقترناً بالتفاعلات والمظاهر التفاعلية والتواصلية والعلائقية بين أفراده المختلفين والمتنوعين فكرياً واجتماعياً وعقدياً .
تونس واغتراب الوعي الثوري ـ د. عزالدين عناية
من المخاطر التي تتربّص بالثورات افتقارها، في كثير من الأحيان، إلى الوعي العميق الذي يحتضن أسئلتها المصيرية: لماذا اندلعت؟ وضمن أي خطّ تسير؟ وأي مسار تسلك؟ ذلك أن المنعطفات الكبرى للشعوب تختزل الزمن، ولكن تلك المنعطفات توشك أن تعود بالناس القهقرى أيضا، حين تنحسر النباهة بين مفجّري الثورة، وحين يعشّش وباء الاستحمار في ثنايا الوعي الجمعي، فيغدو مدمّرا.
وليس المسار الذي تسير فيه ثورة تونس في مأمن من تلك المخاطر، ولعل أبرز تجلياته ما يعيشه كثيرون من حال شبيهة بحال الغفلة، التي ينعدم فيها التمييز أحيانا. نسمع لها صدى في مقارنات ساذجة شائعة، بين الحكم الديمقراطي الراهن وحكم الطغيان الآفل، وهو قياس لا يصحّ إلا في عقل سقيم، لأن الحق أحقّ أن يُتّبع، ونظام الطاغية كان باطلا فحقّ أن يكون زهوقا.
نجاح أمريكا النسبي في استتباع الأمة ـ فتحي العابد
يقول الأديب محمد شاكر في كتابه "سيادة الجهل": إن الحياة عبيد وسادة، عبيد دون ذنب، وسادة من غير حق، ومتسلطون دون مؤهل، يقربون ويحمون أمثالهم، ويسلطون أعوانهم على المجتمع وهم ليسوا بأكفاء ولا أهل، ويبعدون أهل الرأي والفكر، وأصحاب العلم، فينتشر الفساد، وتتحكم الفوضى، وتشرئب أعناق أراذل القوم للمباهاة، وتنخفض هامات الرجال، وتتراجع الأمة وتتأخر عوامل النهضة ومقومات الحياة.
وددت كتابة هذا المقال منذ مدة، ولكن اليوم ربما اتضح المشهد أكثر بعد أن تراكمت وتسارعت الأحداث في بلدي العزيز تونس وفي بقية البلدان العربية. فلو نظرنا إلى الطابع العام والغالب لمؤهلات حكم أو محاولة الحكم التي دعمتها وآوت حكامها الولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي والإسلامي من ستينيات القرن الماضي إلى اليوم، لكان هو حكم التسلط والقهر، وهذه هي أهم مؤهلاتها في النجاح النسبي الذي حققته إلى اليوم في استتباع الأمة والسيطرة عليها.. وأقول النسبي لأن الثورة التونسية وماتبعها من الثورات العربية جعلته نسبيا، أي أنها لم تنجح بالكامل في تلجيم الدول العربية.. حتى في العراق التي سخرت أموالا وبلدانا وجيوشا لها، تمت سيطرتها عليه فترة من الزمن عن طريق القيام بما يشبه عملية السطو المسلح على الوطن والمجتمع، فلما فشلت في استتباع المجتمع أقامت الدنيا وأقعدتها ووصفت كل من وقف في طريقها بأنه إرهابي، أو من ممولي الإرهاب.. ولم تترك ورائها إلا خرابا وأمواتا، وإن كادت لتنجح في أفغانستان بفضل حاكمها الذي أصبح هو ولي الأمر وقائد كل شيء، وكادت الحقوق عند أبناء الشعب الأفغاني أن تأخذ صفة المنحة والفضل والهبة من كرزاي وماتابعه، لكنها في الأخير أذعنت وولت كالثعلب وذيلها بين فخذيها
هل يمكن عصرنة الأنظمة الديكتاتورية؟ ـ فاتن نور
ابان أزماتها، كانت الأمبراطورية الرومانية تسلم مقاليد الحكم الى "دكتاتور جبار"، يتمتع بحريات مطلقة لمدة سبع سنوات.. ترى انها كافية لاجتياز الأزمة. ربما استفادت بعض الأنظمة العربية مما يحكيه التاريخ، فترى أن بقاءها في السلطة كأنظمة ديكتاتورية جاهزة بخبرات طويلة، هو الأجدى لاجتياز أزماتها، أنما بفارق بسيط عما يحكيه التاريخ، وهو أن لا تتمتع بحريات مطلقة لبعض الوقت، أو حتى اجتياز الأزمة بسلام.
يمكننا أن نُمسك بوحش كاسر ونخرجه من جوف الغاب، أن نجتهد في ترويضه، كي يستجيب لأوامرنا في حلبات السيرك لبعض الوقت. فثمة كواسر افترست مروضيها أمام أعين المتفرجين، وبعد سنوات طويلة من الترويض والألفة والخدمة الاستعراضية.
ماذا تعني عصرنة النظام الديكتاتوري ؟
تعني إيجازا ، أن نحيل الغاب كله، الى حملان وديعة ويمامات زاجلة.. كل الوقت..
تعني أن نحيله من نظام شمولي يحكم بالحديد والنار، من نظام الحزب الأوحد والقائد الإله المحصن بشريعة حزبه أو قبليته أو أسرته بعد شريعة الرب، الى نظام ديموقراطي يؤمن بالتعددية الحزبية والثقافية، والتداول السلمي للسلطة. يعني أن ننزل به من عرش السيد المخدوم ترفا، الى بساط الخادم المُعرض في اية لحظة، للإستجواب والمساءلة الدستورية والقانونية، وسيكون بأي حال، خادما لبعض الوقت وليس كله.
مصر.. من الهاجس الإسلامي إلى الهاجس الثقافي ـ غسان الكشوري
كثيرا ما اتسمت الثورات في العالم على مر العصور بوجه يُعتبر جديدا بالنسبة للمجتمع ويغلب بطابعه على المشهد السياسي. ينطبق هذا على الثورة المصرية، ومعها الثورات العربية، بعدما شهدت غلبة النفـَس الإسلامي على شوارعها وفي شعاراتها. أفضى هذا، وبحكم الجراح التي لملمها الجسم الإسلامي، إلى إعطاء الإسلام السياسي فرصته التاريخية لإظهار صورة مشروعه وتقريبه للرأي الداخلي قبل الخارجي. لكن هل من الممكن أن يقف هذا المشروع ؟ وإذا أمكن ذلك، هل لأنه يحمل في ذاته ما ينقضه أم انه يخلق نقيضه نتيجة عن تحركه ؟
بعد ثورة 25 يناير التي تراصت الأطياف والأجناس السياسية والاجتماعية والثقافية جنبا إلى جنبا، و"دون النظر إلى لون الذي امسك بيده" (على حد تعبير أحد الثوار)، انتقلت مصر من التجانس والتمازج اللحظي إلى الفصل في مسألة مصير الجار والحليف السياسي. فالانتخابات البرلمانية حددت المواقع قبل المواقف. ورغم أن مصر لا تزال تتخبط في دوامة الحكم ما بين المطالبة بالمدني وبين تجدر العسكر، فإنها على الأقل تجاوزت مرحلة الاستقرار البرلماني وأجرت انتخابات مجلس الشعب بشكل قيل عنه أنه ديمقراطي بكل المعايير.
يحدث في تونس ـ فتحي العابد
لا شك أن مايقع في تونس بعد يوم 23 أكتوبر موعد انتخاب المجلس التأسيسي، له تميز خاص دون البلدان العربية الأخرى التي جرت في عروقها دماء الثورة.. وقد قلنا في مقال سابق أن ما جرى في تونس من ثورة حتى ذلك الموعد يمكن توصيفها بالظاهرة الغير مسبوقة في التاريخ عموما.
كانت في تونس غضبة كبرى ليس فقط على قوات الأمن والشرطة لما مارسته من قمع وقتل طيلة ثلاثة عقود، بل كذلك حجم واتساع التحرك الشعبي وقوة المواجهة بين الشعب وأجهزة الأمن ، ما جرى خلال شهر فاق كل التوقعات ولا نعتقد أن أحدا يزعم بأنه كان يتوقع صيرورة الأمور إلى ما صارت إليه. ولأن الأمور سارت بهذه الوتيرة السريعة فإن غالبية التحليلات والتعليقات في تلك الفترة أتسمت بالإنفعالية والعاطفة أكثر مما هي ناتجة عن دراسات معمقة.. وعليه فإنه من الصعب الحكم بأن المشهد الذي جرى في تونس حتى موعد الإنتخابات سيتكرر بنفس الشكل ولو في دولة عربية وحيدة.
مطلوب حماية "الفكر الذى نُبْغِضُ" ـ حازم خيري
"إذا كان ثمة أي مبدأ في الدستور يستحق بصورة أكثر إلزاماً
تعليق أهمية عليه أكثر من غيره فهو مبدأ حرية الفكر ـ ليس
حرية الفكر لمن يتفقون معنا ولكن حرية الفكر الذى نبغضه"
القاضي الأمريكي
أوليفر وندل هولمز
في عدم اكتراث واضح بطبيعة التحولات الراهنة في عالمنا العربي، وفي تجاهل شبه كامل لما تشي به هذه التحولات من زحف غربي مُنظم ومدروس نحو جوهر الحضارة الاسلامية، تمضي مجتمعاتنا شديدة ضيق الأفق وشديدة الافتتان نحو مصيرها المحتوم بدمٍ بارد، كعملاق سائر، أصم لا يسمع، أعمى لا يرى!
الغربيون ولا شك استفادوا من جهود العلامة الفرنسي أرنست رينان، ووصفه الإسلام بأنه مفتوح كله على الحاضر، وهو ما تُعول عليه قوى الإسلام السياسي كثيراً، وأن النبي محمد بعيد كل البعد حتى عن مجرد التظاهر بالقداسة، مقارنة بالديانتين اليهودية والمسيحية، فلا أسرار ولا كهنوت ولا بركات تُقدم!