apres anfasseيقودنا بيير لاكوم عبر ردهات المحاكم الأوربية و سجلات الملاحقات القضائية إلى الإقرار بأن موقفنا إزاء الفساد يفرض اليوم مراجعة وتحيينا للقناعات والمباديء التي تشكل خطوطه العريضة.ليس الفساد ورما يخرب التماسك الاجتماعي بقدر ماهو انحراف وظيفي,يخدم بشكل أو بآخر دورة الحياة الاقتصادية و السياسية ! إننا أمام سلوك توافقي يتحد بشكل وثيق مع النظام القائم و يتكيء على آلياته و قيمه ذاتها .
أسهم التداول الإعلامي لقضايا الفساد في إضفاء مزيد من الغموض على المصطلح ودلالاته في الحقلين السياسي والاقتصادي.هل يتعلق الأمر بتصرف خارج إطار الشرعية تسهل إدانته وتحريك آليات معالجته ؟ من المؤسف القول بأن هذه المقاربة تبسيطية و غير واقعية,لأن لكل ثقافة مجتمعية نسقها الخاص لإضفاء الشرعية على بعض أشكال الفساد التي تحقق النفع ولا تلحق ضررا ملحوظا بالقيم الأساسية !وهنا تنتصب السياسة  كفضاء رحب للكشف عن المفارقة المحيرة التي تحكم سلوك المواطنين إزاء النخب السياسية المتورطة في ملفات الفساد. فبراعة السياسي في تبديد عوامل الاتهام وتحويل الفضيحة إلى مشكلة,يغذيها رد فعل اجتماعي هش وظرفي ,مما يتيح لهذه النخب فرصة العودة إلى مسرح السياسة .ألم يتمكن سيلفيو برلسكوني من استعادة موقعه في المشهد السياسي الإيطالي رغم إدانته بالتهرب الضريبي والتمويل غير المشروع للأحزاب ,عقب الهزة السياسية القوية التي أحدثتها عملية "الأيدي النظيفة" مطلع التسعينات؟ من المؤلم إذن الاعتراف بأن تراجع التأييد الشعبي عند تفجر الفضائح لا يعني بالضرورة فقدان الثقة العامة ! 

le-style-abstrai111إلى روح الفقيد أستاذنا سالم يفوت
 "ينبغي التفكير في السياسة، فإذا امتنعا عن ذلك، سيكون عقابنا قاسيا "
إن الإنسان حيوان اجتماعي: يستحيل عليه العيش إلا مع أشباهه أو الانفتاح إلا عليهم.بيد أنه كذلك، حيوان أناني.ف“مفارقة النزوع للمجتمع وعزلته عنه في آن معا”بحسب تعبير كانط، يجعل منه كائنا غير قادر على الاستغناء عن الآخرين ولا الإقلاع،من أجلهم، عن إشباع رغباته الخاصة.لهذا السبب،فنحن في أشد الحاجة إلى السياسة بغية تسوية صراع المصالح بأساليب أخرى عوض اللجوء إلى العنف،وكذلك من أجل تضافر جهودنا بدل أن تتعارض، أملا في النأي عن الحرب،عن الخوف،وعن الوحشية.لهذه الأسباب كلها، نحن في حاجة إلى الدولة. لا لأن الناس طيبون أو صادقون، بل لأنهم لا يتحلون بخصال من قبيل الطيبوبة و الصدق.و لا لأنهم متضامنون، بل لأن لديهم فرصة، على ما يبدو، لكي يصيروا كذلك.ولا يتم تحولهم (وفق الطبيعة) بالرغم مما ذهب إليه أرسطو، بل يسير وفق الثقافة بل وفق التاريخ بل وفق السياسة نفسها؛أي وفق التاريخ كما يصنع،كما ينكسر،كما يعاد بناؤه، كما يستمر،وكما التاريخ يتجلى في حاضرنا باعتباره تاريخنا الوحيد الذي لا تاريخ سواه. فمادام الأمر كذلك، فكيف لا يراد منا ألا نهتم بالسياسة؟ بل كيف لا يتوجب منا الانشغال بها،مادامت الأشياء كلها موصولا بحبائلها؟

tunisie 11من يتأمل الوضع العربي الراهن يصاب بالذهول والخوف. ذهول مما آل إليه العرب من تقتيل وترويع من جهة. وخوف مما سيؤول إليه مصير جيل كامل من سكان المنطقة من جهة أخرى, بعد موجة الربيع التي انطلقت شرارتها من تونس, لتنتشر بعد ذلك على امتداد العالم العربي من الماء إلى الماء. والتي تساهم فيها مختلف الشرائح الاجتماعية والمكونات السياسية و الثقافية و الاثنية واللغوية الغنية والمختلفة.
لقد كانت البداية كما يعلم الجميع عندما خرج التونسيون إلى الشارع بعد سنوات من حكم بن علي و بطانته, وشكل هذا الخروج صدمة للشارع العربي, بل شكل صفعة أيقظت الناس و أحسوا من خلالها أن التغيير ممكن. و ان الحاكم العربي أصبح إما جرذا يفر بالزحف الشعبي, كما فعل بن علي, أو وحشا  يشنق كما فعلت أمريكا و عملاؤها بصدام حسين من قبل. غير أن النتيجة المهمة هنا ليست هي الشنق أو الهروب, و إنما هي كسر جدار الخوف من النظام المهيمن. فالحاكم العربي فقد وضعه الاعتباري, و تحطمت تلك الصورة النمطية التي ألصقت به كزعيم له هيبة و كريزما, فأصبح ينظر إليه كوصمة للذل و الخيانة والخنوع.

collision إن كتاب الأستاذ مصطفى العراقي "من باحماد إلى بنكيران: الصدر الأعظم قطيعة أم استمرارية؟"، يشكل عملا صحفيا متميزا أغنى المكتبة المغربية نظرا لتناوله موضوعا سياسيا ودستوريا وتاريخيا مهما هو تاريخ تحولات مؤسسة رئاسة الحكومة / الوزارة الأولى وجذورها التاريخية منذ أول حكومة مغربية برئاسة امبارك البكاي سنة 1955 إلى الحكومة الحالية برئاسة عبد الإله بنكيران. فأهمية الكتاب تكمن في ثلاث نقط أساسية:
·    أولا: أنه يأتي في سياق النقاش الدائر في المغرب بعد الإصلاحات الدستورية سنة 2011 حول الصلاحيات الواسعة لرئيس الحكومة في الدستور الجديد، ومدى ممارسة رئيس الحكومة الحالي لهذه الصلاحيات في ظل التحولات التي يعرفها الحقل السياسي المغربي منذ ما سمي بـ "الحراك المغربي".
·     ثانيا: أن الكاتب يفتح الباب على موضوع حاضر في دراسات العلوم القانونية والسياسية وغائب في حقل البحث التاريخي وخاصة تاريخ المغرب الراهن باعتباره حقلا جديدا بدأ الاهتمام به من طرف الباحثين المغاربة.
·    ثالثا: أن هذا العمل يقدم للقراء عموما والشباب المغربي بشكل خاص بيوغرافيات لشخصيات سياسية بصمت تاريخ مؤسسة الوزارة الأولى / رئاسة الحكومة وتاريخ المغرب بشكل خاص، وفي ذلك تأسيس حقيقي لمصالحة معرفية وتاريخية مع فترة حرجة في تاريخنا الراهن أسست للمغرب المستقل بتحولاته السياسية المتعاقبة، وبصراعاته الاجتماعية، وسياساته الاقتصادية، وأسئلته الثقافية.
      لذا سنحاول خلال هذا المقال تقديم كتاب الأستاذ العراقي وعرضه من زاويتين: الأولى القراءة الخارجية للكتاب، والثانية القراءة التفاعلية معه من خلال خمس قضايا سأطرحها للنقاش والتفاعل مع إشكاليات الكتاب ومحاوره.

RERRR444توطئة:    
" أنا يا تونس الجميلة في لج الهوى     قد سبحت أي سباحه
شرعتي حبك الجميل وأني           قد تذوقت مره وقراحه "1[1]
لماذا الحديث عن بلادنا الجميلة؟ وماهي الدوافع التي جعلت الفكر يطالب الحلم الجميل بالقدوم؟
يقع الفكر فريسة سهلة للايديولوجيا حينما يسعى الى تحقيق أغراضه الخاصة على حساب المقولات الكلية ولما ينظر الى أحكام الواقع من زاوية اعتبارات المصلحة والآراء المتداولة.
لقد آن الأوان بالنسبة للكتاب والشعراء والنقاد لكي يتركوا الجدران السميكة للايديولوجيا ويغادروا الأرض الصلبة للديماغوجيا ويكفوا عن تدوير الزوايا وتربيع الدوائر الفارغة ويقلعوا عن السير في المتاهات الوعرة ويعتبروا من دروس التاريخ ويتعظوا من عناد السائد ونهشة الواقع ويسقطوا من حسابهم واجبات تلبية نداء الأقاصي وتجسيم الأحلام الوردية الآن وهنا.
من هذا المنطلق حري بالفكر الحاذق أن يطرح المزاعم والدعاوي وعناصر القيمة جانبا وأن يتنحى عن التقييم الذاتي والتأملات الفارغة ويفتح الباب على التو نحو عالم الحياة وينخرط في أفعال قصدية ويباشر التفريق بين الجيد والرديء وبين الضار والنافع وبين المؤجل والعاجل.
ما يراهن عليه الفيلسوف ههنا هو اخراج العقل من أبنيته المعرفية المجردة الى الميدان العام والزج به في التاريخ الحي للشعوب وجعله منظومة معيارية وفضاء تقويمي للحياة البيذاتية التواصلية والاحتكام اليه في فض النزاعات وامتصاص العنف وايجاد مخرج للقضايا المستعصية.

k-edward-mitchellهدفنا من هذا المقال تبيان الدور الذي لعبته الحركات التحررية في بلدان العالم في القرن الماضي، والآمال التي عقدت عليها في خلخلة القوى الرأسمالية سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي- الاقتصادي. الجدير بالذكر في هذا السياق أن اليسار الجديد مفهوم ظهر مع هربرت ماركيوز للدلالة على القوى الجديدة التي عوضت البروليتاريا المعارض التقليدي للنظام الرأسمالي، لأنه يعتقد أنها لم تعد قادرة بعد على ممارسة التفكير السالب في الشروط المعاصرة، نظرا لما طالها من وسائل التدجين والاحتواء، إلا أنه لا زال متفائلا إلى حد كبير بالقوى الرافضة التي لم تستطع الاديولوجية القائمة احتوائها، لأنها أصبحت جزءا من النظام القائم، وتخلت عن دورها التاريخي منذ أن قبلت الاشتراك في اللعبة البرلمانيةle jeu parlementaire .

 من هذا المنطلق تصبح القوى النافية الجديدة هي التي لم تندمج بعد في إطار هذا النظام العام، والتي لم تنطو داخل مؤسساته السياسية، برفضها الاشتراك في قواعد اللعبة البرلمانية المعمول بها في النظام القائم. ويعبر ماركيوز عن خصائصها فيقول:" وهذه المعارضة غير مزودة بأساس طبقي تقليدي، وهي تتراءى كأنها عصيان سياسي، وغريزي، وأخلاقي دفعة واحدة: تلك ملامح "غير مستقيمة" تكيف استراتيجيتها وتمدد ساحة عملها، وهي لا توقر الديمقراطية الليبرالية ولا البرلمانية القائمة، وتحمل على جملة تنظيم المجتمع"[1] .

photo-POLI4444حين تبدي شريحة واسعة من المواطنين عزوفها عن المشاركة السياسية , فهي لا تكف عن ممارسة السياسة من خلال منافذ أخرى , لعل أهمها إبداع أشكال جديدة للسخرية من سلوك النخبة السياسية . سخرية تغذيها رحابة الأنترنيت في توفير برامج و أدوات لتصميم و إبداع ردود أفعال تمزج بين الطرافة و المرارة ! وضع كهذا يفرض طبعا بذل جهد كثيف لاستعادة ثقة المواطن , و التصدي لمجمل الاختلالات التي تعيق إشراكه في تحديث و تطوير الأداء السياسي .
 يأتي الالتباس القيمي الذي يطبع مواقف النخبة السياسية و تصريحاتها في مقدمة هذه الاختلالات  فالسماح للأكاذيب بالتسلل إلى ثنايا القول السياسي أنتج خطابا مشوشا و ساذجا , وحول المشهد السياسي إلى فضاء للغو و تبادل اتهامات سخيفة , و دعوات للإقصاء و التخوين و رمي الآخر في البحر !
لماذا يكذب السياسي ؟
إن الكذب في الحياة اليومية انحراف عن النسق الأخلاقي , لكنه في السياسة جريمة . هذا ما عبر عنه خبير الشفافية الدولي الأمريكي مايكل هيرشمان في معرض رده عن سؤال حول كيفية محاسبة المسؤول الفاسد . فالكذب من قبل السياسي أخطر من جريمة الفساد التي يحاسب عليها القانون , إذ أن السياسي عندما يكذب يحاول تحقيق مصالح خاصة بطرق غير مشروعة .

img-9مقدمــــــة
   احتل القطاع الفلاحي منذ 1956 صدارة الاهتمامات الوطنية، و تم اعتباره بمثابة حجر الزاوية في التنمية الاجتماعية و الاقتصادية للبلاد، فغداة الاستقلال حدّد الملك محمد الخامس في أول رسالة له إلى الفلاحين يوم 13 شتنبر 1957، ملامح الفلاحة المغربية، بجعل القطاع الفلاحي يحتل مركز الصدارة في سياق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد.
"كان طبيعيا أن يشمل برنامجنا الإصلاحي العام الذي رسمناه في مستهل العهد الجديد، الميدان الفلاحي و كان لابد لنا أن نوجه قسطا كبيرا من اهتمامنا إلى إيجاد الوسائل الكفيلة بترقية حالة الفلاح، و رفع مستواه المعاشي و الاجتماعي، فالمغرب -كما لا يخفى- بلد فلاحي، و معظم سكانه فلاحون و من المؤسف أن هؤلاء أهمل شأنهم إبان العهد البائد أيما إهمال..."[1]
مقتطف من نداء الملك محمد الخامس في 13 شتنبر 1957.
   لقد كان الهدف من البرنامج الإصلاحي لمحمد الخامس إحداث قطيعة مع فترة الحماية الفرنسية و الاسبانية و مباشرة تنمية البوادي من خلال تأهيل اقتصادها الفلاحي، فالرفع من الدخل الفردي للفلاح و تمكينه من الرقي و التقدم مشروع لا يمكن فصله عن القاعدة المادية للفلاحة و المثمثلة في مختلف وسائل الإنتاج التي ركزتها سلطات الحماية ما بين 1912 و 1956 في يد المعمرين. و لهذا السبب ستشكل الأرض و الماء محور الإصلاح الزراعي في المغرب بعد الاستقلال.