ارتبط اسم الفيلسوف الفرنسي "رينيه ديكارت "1596-1650 بالشك ،ولو أنه لم يكن أول فيلسوف يتخذ من الشك أسلوبا في التفكير، أو بالأحرى منطلقا في تفكيره ، بل اقترن الشك بكثير من الفلاسفة من قبيل النزعة السفسطائية التي عاصرت الفيلسوف اليوناني سقراط ،و أبو حامد الغزالي في المرحلة العربية الإسلامية، وبيرون والبرونيين ،ومونتاني الذي كان له أثر في فلسفة ديكارت ،بيد أنه رغم السبق لدى هؤلاء بخصوص اعتماد الشك ،إلا أن الشك الذي نهجه وسلكه صاحب تأملات ميتافيزيقية كان مميزا أو لنقل مختلفا ومغايرا، وشكل منعطفا حاسما ونقطة تحول في مسار الفلسفة بوجه عام ،والفلسفة الحديثة على وجه التحديد ،ومن خلاله اعتبر ديكارت المدشن الفعلي للمرحلة الحديثة ،واستحق أن يكون رائد الفلسفة الحديثة ،هذه الحظوة التي نالها ديكارت والمكانة التي بات يحتلها ترجع لطبيعة الشك الذي سلكه واعتمده كمنطلق وأساس لفلسفته ،والمتمثل في الشك المنهجي، وهو نقيض الشك المذهبي الذي يعد شكا من أجل الشك ،في حين يعتبر الشك المنهجي آلية ووسيلة وطريقة تنسجم وتتماشى مع طبيعة التفكير الفلسفي الذي يسعى للبحث عن الحقيقة ، فمسار الفلسفة الديكارتية انطلق من الشك، والغاية كانت هي تأسيس العلوم والمعارف على أسس صلبة ويقينية .
كيف يكون التفلسف مع العدمية وضدها؟ - د.زهير الخويلدي
مقدمة:
" يجب أن تبدأ العدمية بواسطة الذات في حد ذاتها"
العدمية هي الاعتقاد بأن جميع القيم لا أساس لها من الصحة وأنه لا يمكن معرفة أو توصيل أي شيء. غالبًا ما يرتبط بالتشاؤم الشديد والشك الراديكالي الذي يدين الوجود. لن يؤمن العدمي الحقيقي بأي شيء، وليس لديه ولاءات، ولا غرض سوى، ربما، دافع للتدمير. في حين أن قلة من الفلاسفة يدعون أنهم من العدميين، فإن العدمية غالبًا ما ترتبط بفريدريك نيتشه الذي جادل بأن آثارها المدمرة ستدمر في النهاية جميع المعتقدات الأخلاقية والدينية والميتافيزيقية وتسبب في حدوث أكبر أزمة في تاريخ البشرية. في القرن العشرين، شغلت موضوعات العدمية - الفشل المعرفي، وتدمير القيمة، والافتقار إلى الهدف الكوني - الفنانين والنقاد الاجتماعيين والفلاسفة. في منتصف القرن، على سبيل المثال، ساعد الوجوديون في نشر مبادئ العدمية في محاولاتهم لإضعاف إمكاناتها المدمرة.
الفعل التواصلي في الفضاء العمومي - المصطفى رياني
تقديم
فرضت أزمة كورونا على الإنسان إعادة حساباته بالرغم من التطور العلمي والتكنولوجي والرقمي الذي وصل إليه. كما فرضت على العقل الإنساني العودة إلى إعادة التفكير في وجوده الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ومحاولة إعادة الفهم على أسس جديدة مختلفة عما كانت عليه سابقا. فالجائحة زعزعت اليقينيات المطلقة عند الإنسان المعاصر الذي انحرف بالعقل إلى العقل الاداتي المتمركز على ذاته واعتماده على التقنية والعلم كايدولوجيا لتدبير الشأن العام وإساءة استعمالهما. الشيء الذي أدى إلى التسلط واحتكار السلطة في المجتمع المعاصر. فما هي خصائص الفعل التواصلي؟ وكيف يساهم في تجاوز أزمة المجتمع المعاصر وتحقيق العيش المشترك في الفضاء العمومي؟
1- خصائص الفعل التواصلي في الفضاء العمومي
يرى الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس أن العقل الأداتي المطلق أنتج الفردانية و السيطرة البورجوازية أفقدت الإنسان حريته. بل أكثر من ذلك أصبح هذا العقل مطلقا ويقينيا ولا يقبل الرأي الآخر، أسقطه في الديكتاتوريات التي عرفتها أوربا والعالم في القرن العشرين. أدى ذلك إلى إصابة الإنسان الأوربي بالغرور والتسلط والتمدد عن طريق الحركات الاستعمارية التي استعمرت الدول واستغلت شعوبها، وصل الأمر إلى حد الإبادة. واستمر العقل الأداتي بطبيعته المطلقة في الهيمنة كتعبير عن النظام الرأسمالي ونظامه السياسي بدون التمكن من التخلص من تناقضاته البنيوية بالرغم من الثورة العلمية والتكنولوجية والرقمية التي تمكن من تطويرها على مدى عقود بشكل هائل.
المنهج الفلسفي عند رونيه ديكارت – د.زهير الخويلدي
"عندما تقضي الكثير من الوقت في السفر، تصبح أخيرًا غريبًا في بلدك."
يطالب رونيه ديكارت في قواعد من أجل حسن قيادة العقل اتباع القواعد المنهجية التالية:
القاعدة الأولى:
يجب أن يكون الهدف من الدراسات هو توجيه العقل لإصدار أحكام صلبة وصحيحة حول كل ما يأتي في طريقه.
القاعدة الثانية
يجب أن نتعامل فقط مع الأشياء التي يبدو أن أذهاننا قادرة على اكتساب معرفة معينة لا لبس فيها.
القاعدة الثالثة
فيما يتعلق بالأشياء المقترحة لدراستنا ، يجب أن نسعى ، ليس ما يعتقده الآخرون أو ما نخمنه نحن أنفسنا ، ولكن ما يمكن أن يكون لدينا حدس واضح وواضح أو ما يمكننا استنتاجه على وجه اليقين: لأنه لا توجد طريقة أخرى لاكتساب العلم .
في الحاجة إلى الفن: جيل دولوز وفن الرسم - ادريس شرود
إهداء:
إلى: حلا كبارة
إلى صغيرتي: ريم
"زهرة دوار الشمس، زهرة قوية، زهرة خصبة،
زهرة تمنح الحياة"
حلا كبارة
"إن الرسم هو فكر: فالرؤية تتحقق بواسطة الفكر،
والعين تفكر أكثر مما تضغي كذلك"
"كل إحساس هو سؤال، حتى ولو كان الصم وحده
يشكل جوابه"
جيل دولوز- فيليكس غتاري
مقدمة
اعتبر جيل دولوز فن الرسم شكلا تعبيريا مُتميّزا ومُثيرا، وأشاد باللقاء مع "لوحة" مقارنة باللقاء مع الناس. هكذا كان دولوز يخرج بشكل متواتر، إن لم نقل أسبوعيا لمشاهدة معارض فنية، تؤكد كلير بارني Claire Parnet. إنه في "حالة ترصد" لمثل هذه اللقاءات الرائعة، باحثا عن لوحة تلمسه وتؤثر فيه، فهي التي تساعده على "الخروج من الفلسفة بينما يظل داخلها"، بل "يمضي إلى أبعد من الفلسفة". إن "المضي إلى الأبعد" يعني جلب شيء جديد، وخلق مفاهيم قادرة على حل مشكلات، وإبداع صور تعكس الحقيقة، وابتكار طرق جديدة للتفكير وأساليب أخرى للحياة والوجود.
المدار و القرار، تأمل في الاختلاف – عبد الحفيظ أيت ناصر
"الهاجس المتمثل في البحث عن اسلوب جديد للتفلسف، يزيح التراتبية التقليدية بين الفلسفة والادب"
مصطفى لعريصة؛ مدارات الذات، ص 33
كيف يمكن للقارئ ان يتمثل النصوص التي ولدتها لحظة تخلخل النسقية؟ تلك النصوص التي تهرب وتنفلت من محاوله تجنيسها، هذا النوع من النصوص التي تمارس تطوافا وترحالا فوق كل الاجناس والانساق السردية، حيث كل نص سرد لكن ليس بالمعنى التقليدي بل بالمعنى المتجاوز والمنزاح، هذه النصوص الرحالة تستعير هذه الصفة فقط وليست مرتبطة بها.
ان الاستعارة شيء غريب فهي التي تعطينا تلك الإمكانية اللامتناهية للتفكير او لممارسه ما نسميه تفكيرا، تنزاح بنا الاستعارة الى الافاق التي لم تطرق بعد او التي لم تطرق بشكل كافي وتعطينا امكانيه التفكير في المحال اليه، الاستعارة قول يقال محيلا على مجموع صور وعلى التعدد والاختلاف و المهمش.
في الحاجة إلى الفن: خصوصية الإبداع الفني من منظور الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز - ادريس شرود
"الفن علاج شأنه أن يشفي من فرط المعرفة"
فريديريك نيتشه
"الفن هو الشيء الوحيد الذي يقاوم الموت"
أندريه مالرو
"على الفيلسوف أن يصير لا فيلسوفا حتى
تصير اللافلسفة أرض الفلسفة وشعبها"
جيل دولوز
مقدمة
لم يُخف جيل دولوز امتعاضه من الحالة التي أصبح يتخبّط فيها الفن بقوله:"أصبح كل فن اليوم أكثر طفولية كل يوم. كل شخص لديه رغبة مجنونة في أن يكون طفوليا قدر الإمكان. أنا لا أقول سخافة: صبيانية.. الفن اليوم إما شكوى plainte أو قسوة cruauté. لا يوجد تدبير آخر: إما أن يشتكي المرء، أو يقوم أحدهم بممارسة القسوة الصغيرة دون مبرر"(1). تزامن هذا التخبّط الفني مع تصاعد الهجوم على الفلسفة والتشهير بنهايتها وموتها، وتخوف دولوز من أفول نجمها، الشيء الذي دفعه إلى الإنفتاح على حقول فنية كالرواية(2) والرسم والسينما والموسيقى والمسرح... . وإذا كان إسم دولوز قد اقترن بتعريفه الشهير ل"الفلسفة كإبداع للمفاهيم"، فإن اهتمامه بالفنون كفيلسوف -وليس كناقد- مكّنه من تعيين مهمة الفن باعتباره إبداعا ل"المؤثرات الإدراكيةles percepts " و"المؤثرات الإنفعالية les affects" ول"الإحساسات les sensations ". إن هدف الفن بما لديه من وسائل مادية، هو أن يُعرّي المؤثر المدرك من إدراكات الموضوع ومن حالات الذات المُدركة، وأن يُعرّي المؤثر الإنفعالي من المشاعر كمعبر من حال إلى أخرى. فاستخراج كتلة من الإحساسات [يعادل] كائن حسّي خالص(3).
نسبية المتحول في التحول الكوني - عبد الإله محرير
الكل يواجه ما يعتبره خطرا عليه من منظور الكل للكل، بينما الكل يتشكل من أجزاء و جزيئات(مجموعات و أفراد). أجزاء غير منسجمة، بل ومتنافرة في ما بينها، ناتجة عن انقسام هذا الكل المتماسك بوحدة الجزئيات وغير المنسجم بتنافر الأجزاء، وأفراد متماسكة ومتمسكة بالكل، حيث أصبح كل فرد يقاوم و يصارع داخل الجزء الذي يتواجد فيه، وكل جزء يتصارع ضد الأجزاء الأخرى في إطار صراع الأجزاء المكونة للكل. لكن كل فرد منتم إلى جزء معين تربطه علاقات بنيوية مع أفراد وجدوا أنفسهم منتمين إلى الأجزاء الأخرى المختلفة في ما بينها. أي، انسجام عام على مستوى الأفراد، واختلاف مجموعاتي خاص تحكمه توجهات إيديولوجية و دوغمائية غير مستوعبة للأسس التي توحد الكل وتجعل منه حصنا منيعا ضد الأجسام الغريبة والدخيلة، دون أن ينعكس السلوك الخاص على العام، ولا السلوك العام على الخاص. لنخلص إلى أن مجموع الأجزاء لم تعد تشكل الكل على أساس مبادئ مشتركة تبرر وجودها كأجزاء أو مجموعات، بينما مجموع الأفراد تكَون هذا الكل انطلاقا من مبادئ مشتركة متجذرة، تعجز المجموعات على استيعابها وتبنيها، حيث الأفراد متمسكة بالكل و موزعة على أجزاء غير منسجمة داخل الكل.
الدين يفكر حسب الهرمينوطيقا الريكورية – د. زهير الخويلدي
تمهيد
" الثقة في النعمة. لا شيء مستحق لي. أنا لا أتوقع أي شيء لنفسي. أنا لا أطلب شيئًا ... أقول: يا إلهي ، ستفعل معي ما تريد. ربما لا شيء. أنا أقبل أنني لم أكن". شذراته الأخيرة المعنونة: حيّ حتى الموت.
الحقيقة الجديدة حسب بول ريكور هي أن الإنسان أصبح الآن خطرًا على نفسه من خلال تعريض الحياة التي تحمله والطبيعة في الملجأ الذي قطع فيه ذات مرة محيط مدنه للخطر خاصة عندما تخلى عن الدين والايمان.
يبدو حسب ريكور أن الأفق الذي تتجه نحوه هذه الحكمة هو نبذ للرغبات ذاتها التي يولد الجرح الشكوى منها: أولًا نبذ الرغبة في المكافأة على فضائل المرء، والتخلي عن الرغبة في التجنب من المعاناة، والتخلي عن الذات. للعنصر الطفولي في الرغبة في الخلود. ربما يتم رسم هذه الحكمة في نهاية سفر أيوب، عندما يقال إن أيوب جاء ليحب الله من أجل لا شيء هو الخروج كليًا من دائرة القصاص. ربما يتداخل أفق هذه الحكمة، في الغرب اليهودي المسيحي، مع أفق الحكمة البوذية. ان النضال الأخلاقي والسياسي ضد الشر الذي يمكن أن يجمع بين جميع الأشخاص ذوي النوايا الحسنة ... توقعات في شكل أمثال لحالة إنسانية يكون فيها العنف الذي يتم قمعه ولغز المعاناة الحقيقية والمعاناة غير القابلة للاختزال عارية. كما يربط ريكور المشاعر الدينية بتأمل ظاهرة الموت بقوله في سيرته الذاتية المعنونة التفكير المنجز: "أحارب خيال الموت المرتبط بنظرة المتفرج الذي يحتضر عنده انسان يحتضر، الشخص الذي نتوقعه، والذي نعرف بدقة متفاوتة أنه سيموت قريبًا. من هذه النظرة من الخارج على الرجل المحتضر ومن الترقب الداخلي لهذه النظرة من الخارج على احتضاري، أريد أن أحرر نفسي. " ويضيف في نفس السياق: لقد ولدنا واحدًا تلو الآخر، نموت واحدًا تلو الآخر، وننشأ وسط محادثة بدأت بالفعل ونحاول فيها توجيه أنفسنا حتى نتمكن بدورنا من تقديم مساهمتنا." لكن ما علاقة الدين بالتفكير؟ ولماذا يحتاج الانسان الى الديني ويتعلق بالإلهي؟ كيف يؤسس ريكور رؤية هرمينوطيقة لله؟
باختلاف زوايا النظر ترتقي عقول البشر - د.مخلص السبتي
كثيرا ما تختلف رؤانا للموضوع الواحد حتى في المباحثات العلمية وتنزيلاتها العملية ، فـتتباين تقديراتنا وأحكامنا قبولا ورفضا، أخذا وردا، من دون أن يعني ذلك أن آراءنا هي بالضرورة دائرة بين صواب وخطأ، بل كثيرا ما تكون أغلبها صائبة من دون أن يدرك أطراف الحوار أو النزاع ذلك ، وإنما يرجع الاختلاف إلى تعدد زوايا النظر، حيث أن لكل شخص مهما كان مستواه - في العلم أو الخبرة - زاوية معينة ينظر من خلالها إلى مكونات وأحداث محيطه ، فإذا الفكرة صحيحة سليمة ضمن سياق ، فاسدة باطلة ضمن سياق آخر، من دون أن ينتبه الناظر غالبا إلى أن نظرته محكومة بظرف وسياق، وثقافة وتاريخ ، وليس بالإمكان قبول فكرة أو رفضها على إطلاقها ، بل بالرجوع إلى السياق الذي أنتجها ، والإكراهات أو الإغراءات التي استدعتها .
الحرية بين الفرد والمجتمع - د.زهير الخويلدي
هناك قول مأثور: "حريتنا تنتهي حيث تبدأ حرية الآخر". ماذا يمكن أن تكون دلالات هذه الجملة؟ في الواقع، تتراجع حريتنا عندما نواجه حرية شخص آخر. يقودنا الاعتقاد الشائع عن الحرية إلى الاعتراف بأن الحرية ملكية فردية. نحن نتغلب على حريتنا ولا يمكن لأحد أن يأخذها منا. في رؤية الحرية هذه، يصبح الآخر عقبة، ومكابح، وحتى دخيلًا في حريتنا. التأكيد على أن الحرية ليس لها قيود منطقية تمامًا هنا. ومع ذلك، وفقًا لروسو، عندما يقول: "طاعة القانون التي فرضها المرء على نفسه هي الحرية" تظهر لنا شيئًا مختلفًا تمامًا. لم يعد التعريف الشائع للحرية شكلاً من أشكال الغياب التام للقسر. في الواقع، يخبرنا روسو أن القيد هو بالضبط الذي يسمح لنا بأن نكون أحرارًا. سيكون القيد هو رغباتنا، دوافعنا التي نمر بها طوال حياتنا. عندما أشعر بالجوع، أشعر بالرغبة في تناول الطعام. يقترح جان جاك روسو أن نصبح سادة دوافعنا ورغباتنا لكي نصبح كائنات حرة، متحررين من نفس هذه الدوافع والرغبات. وبالتالي، يصبح فعل تقييد الرغبة شكلاً من أشكال الحرية، لأن الاختيار ممكن: إرضاء الرغبة، وليس إرضاءها أو حتى اختيار عدم القيام بأي شيء.