"يجب على الفلاسفة السياسيين من الآن فصاعدًا إما العمل ضمن نظرية رولز، أو شرح سبب عدم قيامهم بذلك"، روبرت نوزيك

الترجمة:

"كان الاقتصاديون من بين أول من استجاب لعمل جون رولز. دفعت اعتراضاتهم بفيلسوف العدالة إلى إعادة النظر في طموحه: التوصل إلى نظرية تنافس النفعية. من الممكن اليوم، بعد فوات الأوان، والعديد من الأبحاث التي أجريت على جون رولز، أن نسترجع الرحلة الفكرية لهذا الفيلسوف الأمريكي الذي عمل طوال حياته لبناء نظرية العدالة الاجتماعية التي أطلق عليها، من أعماله الأولى ، في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي ، "العدالة والإنصاف". بالإضافة إلى كتب المؤلف ومقالاته، ومحاضراته المنشورة في الفلسفة الأخلاقية والفلسفة السياسية، لدينا العديد من المحفوظات التي رسمها المؤلف نفسه في جامعة هارفارد حيث كان يعلم دروسه. وتشمل هذه المراسلات ومعلومات السيرة الذاتية وأيضًا التعليقات التوضيحية والفهارس التي كتبها المؤلف في نهاية كل كتاب.

تمهيد:
"الإيتيقا الفكرية موضوع كلاسيكي ولا يزال قليل الدرس"
يخوض باسكال أنجل في مسألة العلاقة بين المعرفة والقيم وبين الابستيمولوجيا والكسيولوجيا أثناء مراجعته لكتاب روجر بوفيه ومحاولته تقديم رد على الأطروحة التي تربط الإيتيقا بالتيولوجيا اللاهوتية ويدعو إلى إعادة التفكير في نظرية المعرفة باعتبارها أخلاقًا فكرية من اجل اختبار تبرير معتقداتنا ،لكنه يرى حياة الفكر أيضًا ، مثل كل أشكال الحياة ، محملة بالقيم. لها فضائلها ورذائلها، ويعود حول هذا الموضوع الى أرسطو الذي كان يعتقد بأن هذه الحياة منظمة بشكل جيد ويشيد كذلك بفضيلة التواضع عند توما الأكويني. كما ينقد تساءل المؤلف عما هو صواب الاعتقاد والادعاء بمعرفة. بالنظر إلى نظرية المعرفة كجزء من الإيتيقا، والتي تتعلق بالحياة الفكرية ، فإنه يتساءل عن شرعية المواقف الفكرية وكذلك قيمتها، مؤكداً أن الفسق موجود في الفكر ، كما في الحياة العملية ، يدعونا إلى جعل الفضائل شريان الحياة. فماهو رد أنجل على هذا التصور؟

" يجب ألا يتكيف الحق أبدًا مع السياسة ؛ بل على العكس ، يجب أن تتوافق السياسة دائمًا مع الحق."
تمهيد:
تعود شهرة عمانويل كانط ( 1724- 1804 ) الى الكتب النقدية الثلاث عن العقل والإرادة والذوق ومقاله عن الأنوار والاستعمال العمومي للمعرفة الفلسفية والعلمية وبعض النصوص عن السلم والحرب والتاريخ والفن. غير أن الكثير من التأملات النقدية في بعض القضايا الفلسفية المتروكة قد مثلت انشغالا طريا لفيلسوف الأنوار الألماني وجعلت يخوض غمار مباحث ساخنة وقضايا خلافية وخاصة مسألة التمييز بين الجميل والجليل في الأعمال الفنية وإشكالية القانون والحرية والسعادة في السلوك الأخلاقي ومعضلة وظيفة العنف في التاريخ البشري والتمييز الحاذق بين حق الضيافة وحق الزيارة وحق الاقامة للمواطنين في الحكومة العالمية والتفريق الحاسم في الدين في حدود العقل بين الشر الجذري والخطيئة الأصلية.
في هذا النص غير المقروء وغير المعروف فكرة خطيرة تكشف عن وضعية أنثربولوجية يعيشها الانسان ويعبر فيها عن حاجته الى الكذب بين الفينة والأخرى اما للاستمرار بالنسبة للمجتمع أو لقضاء مصلحة ، والغريب أن ذلك يتناقض جذريا مع الأوامر القطعية الأخلاقية الكانطية التي تعبر عن رفضها الشديد للكذب والسرقة والقتل والظلم والاستعباد وتمنع كل الممارسات اللاإنسانية التي تخلف الضرر للأغيار. فماهي الشروط التي يبرر بها كانط الحاجة الى الكذب؟ وهل ثمة حاجة سياسية؟ وما رأي القانون فيه؟

استهلال:
"أفضل ما في العوالم الممكنة هو العالم الأقل سوءًا"
فلاديمير يانكلفيتش فيلسوف فرنسي وعالم في الموسيقى ولد سنة 1903 وتوفي 1985 وهو مؤلف معروف حيث أضاء فكره على الأخلاق المعاصرة. يدافع يانكيليفيتش بالفعل عن أسبقية الأخلاق على جميع فروع الفلسفة الأخرى (الميتافيزيقيا ، السياسة ، الجماليات ، إلخ.) تظهر لغته الشعرية بشكل ملحوظ في كل من كتاباته التي تمت ترجمتها الى العديد من لغات العالم وخاصة كتابه" ولا أدري ماذا وتقريبا لا شيء " في أقسامه الثلاث: الأول: الطريقة والمناسبة والثاني: التجاهل وسوء الفهم، وفي الثالث المعنون: إرادة الرغبة .
أين تكمن المفارقات في الأخلاق؟ وبأي معنى يوجد تناقض أخلاقي؟ أي نوع من الفضيلة هو الامتنان؟ لمن نقول شكرا لك؟ هل هذا الشكر هو مثل المحبة غير المشروطة؟ لماذا تعطي دون توقع أي شيء في المقابل؟ ما هو التسامح؟ ومتى يمنح الانسان الغفران؟ ولماذا نحن الى الماضي؟ ونريد الرغبة ونرغب في الإرادة؟ وكيف تتجاوز الإنسانية مأزق التجاهل البيني وسوء الفهم وتبني علاقات تسامح وغفران وحب على الكوكب؟
ما نراهن عليه من خلال استذكار نصوص يانكلفيتش هو التصدي للعنف والكذب والشر في المجال السياسي والتمسك بالغفران والمحبة والتسامح كخيارات سلمية للتحول نحو وجود انساني ايتيقي.

كتب فونتنيل** في فترة شبابه رواية طوباوية تحمل عنوان «جمهورية الفلاسفة La République des Philosophes»، أبدى فيها تشريعات وقوانين ذات نظام ديمقراطي يقوم على الاختيار، لكن شريطة أن يتحكم في تسييره  فلاسفة ماديون. ثم بعد ذلك كتب مقالا ساخرا عن الصراع بين المذهَبَين الكاثوليكي والبروتستنتي. في هذين المؤلَّفَين يبدو وكأن فونتنيل  خرج عن دائرة المعتاد والقول المألوف في الصراعات الدينية التي كانت تنحصر داخل أصوار الكنائس.
إن الخروج عن المعتاد والمألوف هو ما جعل فونتنل حالة استثنائية في عصره الذي كان يمجّد الحكم الملكي المطلق للويس الرابع عشر، ويعيش صراعاً دموياً بين المذاهب الدينية. من المواقف المهمة لفونتنيل أيضاً دعمه لنظرية التطور الفكري في مؤلفه «استطراد حول القدماء والمحدثين» Digression sur les Anciens et les Modernes عام (1688). أما في كتابه «محادثات حول تعددية العوالم» Entretiens sur la pluralité des mondes – وهو موضوع دراستنا-  الذي نشره عام (1686) فقد حاول تبسيط العلوم ووضعها في متناول الجميع، تماماً كما فعل حين حاول تبسيط اللاهوت في كتاب «تاريخ الكهنة العرافين» Histoire des Oracles عام (1687) الذي سخر فيه من الذين يعتقدون بالنبوءات التي ليست في رأيه سوى اختراع من الكهنة المشعوذين. أثار هذا الكتاب ضده عاصفة من النقد، لكن ذلك لم يمنع من انتخابه عضواً في الأكاديمية الفرنسية  سنة 1691، ثم سنة 1697 في أكاديمية العلوم التي صار أمين سرها الدائم حتى 1740.

استهلال:
" ربما لم نحقق أبدًا الكثير في نمو كياننا التاريخي، كما هو الحال عندما نلمس أنفسنا كعوالم تاريخية غريبة عنا تمامًا"
بطريقة ما ، هانز جورج غادامير (ولد في ماربورغ سنة 1900، وتوفي في هايدلبرغ سنة 2002) هو أول فيلسوف استخدم مصطلح "التأويل" بالمعنى الفلسفي الكوني - مستحضرًا مفاهيم التفسير (التأويل باليونانية) ومعنى النص من وجهة نظر غير دوغمائية (بدون سلطوية ، ولا مرجعية مؤسسية) - في شكل صفة ، لربطها بقراءة التراث المادي والرمزي والتقاليد التاريخية والثقافية من أجل خدمة غرض إعادة تعريف موضوع الفكر الحديث بالكامل. هذا الاستخدام لمصطلح "الهيرمينوطيقا" ، الذي يؤسس له غادامير نفسه المصادر التي تناسبه ، يعطي فورًا إشارة ثمينة لأهداف الفيلسوف. الألماني إنه منظور كوني ، يركز على ذكاء الأفعال البشرية ، المنسوجة هناك في أعماق الذاكرة، ولا يمكن تلخيص الخطوط العريضة له إلا بشرط تجاهل العديد من الأفكار والمواقف الجانبية التي عبر عنها في المناظرات والدروس التي ألقاها وشارك فيها.

"إذا كانت الفلسفة ستصبح علمًا تجريبيًا، فإن نقطة البداية هي بناء مدرسة"
تنتمي فلسفة جون ديوي(1859-1952) إلى التيار الذي أعطىاه بيرس في الأصل اسم البراغماتية لتعيين طريقة ، أكثر من عقيدة ، منتبهة للآثار العملية لأفكارنا ونتائجها الملحوظة. ومع ذلك، فإن الفلسفة الأولى التي يدين لها ديوي بالكثير من الإلهام، ليست فلسفة تشارلز س. بيرس ، ولا فلسفة ويليام جيمس ، بل فلسفة هيجل. ولم يكتشف أهمية بيرس إلا بعد أن اكتشف في الأخير شكل الفكر القائم على الديالكتيك الذي يناسبه. لكن المثالية التي ميزت أعماله المبكرة يقابلها أيضًا تأثير داروين. كما أن ديوي مدين له بمفهومه عن الخبرة، وهو مفهوم أساسي و مصدر تفاعله مع الطبيعة ، وكلاهما يعارض الثنائيات التي تميز التقليد الفلسفي.

ماذا لو اخترنا في فترة الارتباك الاستثنائية بسبب الجائحة للقيام بنزهة فلسفية؟ ماذا يمكن أن يقدم لنا الفلاسفة المفكرون من توجيهات وأفكار نسير على هديها في زمن خيمت عليه ظلال من اللاطمأنينة والارتياب والاستلاب؟ لنتناول أحد أشهر التيارات الفلسفية برفقة مؤسسه: سارتر والوجودية.
إذا كانت الفلسفة الوجودية قد عاشت لحظات ذروتها وسجالاتها، فإن مؤسسها على الرغم من اختفائه قبل 40 عاما لا يزال يشيد به أتباعه كما ينتقده مهاجموه.
ولد جان بول سارتر عام 1905 في باريس بالحي التابع للدائرة السادسة عشرة. بعد المدرسة العليا للأساتذة، اجتاز مرحلة تجميع البيانات في الفلسفة عام 1929 والتقى خلال نفس الفترة بسيمون دي بوفوار. قام بتدريس المادة في ثانوية لوهافر، ثم في نويي عام 1937.
خلال الحرب العالمية الثانية، وهو جندي ثم أسير، كتب بحثه الأول الذي أصبح عمله الفلسفي الرئيس تحت عنوان "الوجود والعدم". تم تجنيده كمراسل لصحيفة "كومبا" (المعركة) في عام 1944 من قبل ألبرت كامو، وقد استمتع بشعبية هائلة بعد الحرب كقائد للحركة الوجودية التي أصبحت بعد ذلك موضة.

مقدمة:
لا يمكن بأي حال أن ننكر المحاولات المتكررة لإنشاء "فلسفة مغاربية" قائمة بذاتها، حتى وإن بقي ذلك في مجرد طموحات فكرية يحركها الاجتهاد والرغبة في فهم جيد للعالم، بمنظور "عربي-إسلامي". وبما أن فهم العالم لا يستقيم إلا بفهم العقل المفكِّر، أو ربما المنشئ لهذا العالم، كان نقد العقل منطلقا أساسيا وأوليا لكل مشروع للنهضة[1]. فهذه الأخيرة بالنسبة للأستاذ الجابري، لا تستقيم إلا بعقل ناهض؛ عقل يقوم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه*[2]. هكذا كان مفهوم العقل بالنسبة للأستاذ الجابري يرتبط بالإشكالات الكبرى التي زاد الاهتمام بها بشكل واضح خلال الخمسين عام الأخيرة، إنها إشكالات تتعلق بعلاقة الإنسان (العربي) والأزمة التي يتخبط فيها، بثقافته وتراثه؛ أي هل التراث هو الأزمة أم أن التراث هو بداية الانطلاق نحو “النهضة"؟ وما طبيعة الانتظام داخل العلاقة مع تراثنا القديم وماضينا؟ هل نترك للتراث القديم أن يسير الحاضر ويتحكم في مصاره، أم أن التراث القديم ينبغي أن نقطع معه، ونعيد إنتاج ثقافتنا بما يؤدي إلى تغيير الواقع الاجتماعي؟ تلك إذن هي الأسئلة الكبرى والمركزية التي وجهت أعمال المفكرين العرب في تلك الفترة، فكان الجابري هو الآخر منشغلا بها (إشكالات الفكر العربي) في العديد من كتبه، خاصة منها كتابين أساسيين ينتميان إلى مشروعه الفكري الخاص بـ “نقد الفكر العربي"، وهما: "تكوين العقل العربي" و"بنية العقل العربي".

"صيغة ’’الله مات’’ ذات طبيعة مختلفة تماما. إنها تجعل وجود الله يتبع تأليفا، تقوم بتأليف فكرة الله مع الزمن، مع الصيرورة، مع التاريخ، مع الإنسان"
جيل دولوز
"إن زرادشت نيتشه، النبي ما بعد الديني، يبدو لنا فجأة خيارا أخلاقيا مستحيلا"
فتحي المسكيني
تقديم
لازالت صيحة نيتشه "مات الإله" تثير ردودا ونقاشات وتوظيفات مختلفة، تدل على قوة فكر وحيوية فلسفة تمنح للعقول الحرة إمكانية التأسيس لحوار بين الاصدقاء حول قضايا العصر. إن التطورات التاريخية لمرحلة ما بين الحربين العالميتين، فرضت على مارتن هايدغر إثارة كلمة نيتشه:"مات الإله"(1)، كما دفعت عملية إعادة البناء ما بعد الحرب العالمية الثانية و"ما بعد التحرير" على جيل دولوز، البحث عن طريقة جديدة لاستئناف التفكير فيما وراء المدارس والتيارات الفلسفية (الوجودية والفينومينولوجية مثلا) والمشروع الرامي إلى أن تصير الفلسفة اللغة الرسمية لدولة خالصة(2). هكذا اهتم دولوز بفلاسفة ينفلتون كليا أو جزئيا من تاريخ الفلسفة أمثال سبينوزا، ونيتشه صاحب صرخة "مات الإله". أما تداعيات الحرب على "الخليفة الأخير" في بداية القرن الواحد والعشرين، فقد شجعت فتحي المسكيني على الزّج بتأويل "موت الإله" في النقاشات الدائرة حول مصير "الله الإسلامي" وأفق الملة أو الجماعة. وقد شكل الموقف من "الإرهاب" مدخلا لإضفاء مشروعية العودة إلى مُساءلة كلمة نيتشه: "مات الإله".

" الأشياء التي يلهث وراءها عامة الناس لا تبخل علينا فقط بالعلاج المفيد لحفظ كياننا، وانما هي تحول دونه، فتكون في الغالب سببا في هلاك من يملكها ، وتكون دائما سببا في هلاك من تملكه"
ما طبيعة الحقيقة عند سبينوزا؟ وبماذا عرف حقيقة الطبيعة؟ وماذا يقصد بالحقيقة الطبيعية؟ وهل هناك طبيعة غير حقيقية وحقيقة غير طبيعية؟ والى أي مدى تخلص من نظرية مطابقة العقل للواقع والفكر للوجود؟ ولماذا تم اعتباره من فلاسفة الوحدة؟ وكيف استخدم المنهج الهندسي الرياضي في عملية بناء الحقيقة الصورية؟
تكمن الحرية الإنسانية التي يفتخر الجميع بامتلاكها في كون الناس واعين بشهواتهم وجاهلين بالأسباب التي تحددها. ان وهم الحرية مصدره الوعي بفعلنا والجهل بالأسباب التي جعلتنا نقوم بهذا الفعل. ان الانسان الحر يعني ذاك الذي يعيش وفق مقتضيات العقل ولا يكون مسيرا في سلوكه من طرف الخوف من الموت. توجد في الفلسفة السبينوزية ، كما يقول فرديناند ألكيي ، منذ درسه الأول ، كلمة الطبيعة وكلمة المادة وكلمة الله وهي مترادفة. يعني هذا الواقع الفريد الذي تكون فيه كل الأشياء الموجودة فقط مجرد أوضاع. أما بالنسبة للحقيقة ، فهي تُصوَّر دائمًا على أنها جوهر رياضي.