"دون الموسيقى تغدو الحياة خطأ"
فريديريك نيتشه

"الموسيقى هي فن التفكير بالاصوات"
جول كومباريان
مقدمة
    رأى جيل دولوز في الموسيقى الفاعلية ذاتها، وأكد على أن التناغمات الموسيقية هي انفعالات؛ فالتطابقات في الأنغام، أكانت انسجامية أو تنافرية هي انفعالات موسيقية(1). كما أشاد باللقاءت التي تجمعه مع "قطعة موسيقية"، وبدور الموسيقى في منح "الحركة" وبناء العقل الحسي. اعتبر دولوز المفاهيم (الفلسفة) كالاصوات (الموسيقى)، أو الألوان (الرسم)، أو الصور (السينما)، وأكد على أن الغاية الوحيدة من هذه الأشكال التعبيرية – فلسفة، موسيقى، رسم، سينما - عبر التآليف التي تنسجها هي البحث عن أفكار وحمل الحياة إلى حالة القوة المطلقة أو "الصحة الفائقة".

أقام دولوز علاقات والتقاءات بين مختلف هذه الأشكال التعبيرية، وآمن بالخدمة التي يمكن أن تسديها الفلسفة للموسيقى، لكنه أقرّ بصعوبة الكلام عنها، وتساءل عن الدور الذي يمكن أن تضطلع به مقارنة مع الرسم (إبداع المؤثرات الإدراكية والإنفعالية) والسينما (إبداع الصور والأحاسيس)؟

موجز عام: اعضال الاستطيقا والاطيقا مع دريدا يطرح اسئلة حارقة؛ كيف نكتب والحال إن الكتابة قد ولّى عصرها وما المكتوب إلا إخفاء لما كان منتظرا ؟ كيف نتفكّر الأشكال الرئيسي : أيّة جمالية في التفكيك؟ وما علاقته بالاطيقا؟ ..قد يمثل استشكال الكتابة الفلسفية والاستطيقا في خضم التفكيك، دافعا إلى ضرورة مواجهة أسئلة أخرى من قبيل: هل يمكننا أن نحيا جماليّا؟ وهل مازال باستطاعة الفيلسوف، أن يحوّل الحياة إلى ''ظاهرة استطيقية''؟

استهلال:
حين يقع تناول إعمال دريدا بالتّفكّر، تطفو إلى السطح معضلة كبيرة "كيف نقول ما لا يقال " اذا كان هو نفسه يسلّم بأن "القول محل اتهام "، من حيث هو إخفاء متعمد أو قسري؟ و كيف نتلفظ ماهو مبرمج، من حيث هو محدد الأهداف سلفا ومعدوم الإرادة أصلا ؟. وكذلك تواجهنا مأزقيّة التفكيك الدر يدي كمنهج ''ذرّي''(نووي) مطالب بالإجابة عن محددات ورهانات، هي ذاتها لا تتوافق مع محدداته ورهاناته . فهو ينظر للكتابة مثلا عل أنها أمرا متجاوزا ومنتهيا[1]. كيف نكتب والحال إن الكتابة قد ولّى عصرها وما المكتوب إلا إخفاء لما كان منتظرا أن يقال ؟؟ لذلك تجدنا مطالبون بتفكّر أشكال رئيسي : ما هو التفكيك؟ وما علاقته بالاستطيقا؟ ..قد يمثل استشكال الكتابة الفلسفية والاستطيقا اليوم، دافعا إلى ضرورة مواجهة أسئلة حارقة من قبيل: هل يمكننا أن نحيا جماليّا؟ وهل مازال باستطاعة الفيلسوف، أن يحوّل الحياة إلى ''ظاهرة استطيقية''؟ .

مقدمة
"إن كل فيلسوف يتحمل مسؤولية رؤيته من وجهة نظر إشكالية قدر الإمكان، معترفًا بإمكانية الخطأ. لكنه يتبنى أيضًا وجهة النظر القائلة بأنه في أي مقارنة للآراء فلسفيًا، يجب أن نقارن من وجهة نظر معينة ولا توجد أرضية محايدة و تصبح في النهاية الفلسفة المقارنة مقارنة المقارنات." ألاسدير ماكنتاير
الفلسفة المقارنة - تسمى أحيانًا "الفلسفة عبر الثقافات" - هي حقل فرعي من الفلسفة يعمل فيه الفلاسفة على حل المشكلات عن طريق إقامة حوار متعمد بمصادر مختلفة عبر التيارات الثقافية واللغوية والفلسفية. يتمثل طموح وتحدي الفلسفة المقارنة في تضمين جميع فلسفات الإنسانية العالمية في رؤيتها لما تشكله الفلسفة، ويميز هذا النهج الفلسفة المقارنة عن عدة مناهج أخرى للفلسفة. أولاً، تختلف الفلسفة المقارنة عن فلسفة دراسات المنطقة (حيث يبحث الفلاسفة في موضوعات في تقاليد ثقافية معينة، على سبيل المثال، الكونفوشيوسية) وفلسفة العالم (حيث يقوم الفلاسفة ببناء نظام فلسفي قائم على امتلاء التقاليد الفكرية العالمية). ثانيًا، تختلف الفلسفة المقارنة عن الفلسفة الأكثر تقليدية حيث تتم مقارنة الأفكار بين المفكرين ضمن تقليد معين؛ تقارن الفلسفة المقارنة عمدًا بين أفكار المفكرين من تقاليد مختلفة تمامًا، وخاصة التقاليد المتميزة ثقافيًا.

ارتبط اسم الفيلسوف الفرنسي "رينيه ديكارت "1596-1650 بالشك ،ولو أنه لم يكن أول فيلسوف يتخذ من الشك أسلوبا في التفكير، أو بالأحرى منطلقا في تفكيره ، بل اقترن الشك بكثير من الفلاسفة من قبيل النزعة السفسطائية التي عاصرت الفيلسوف اليوناني سقراط ،و أبو حامد الغزالي في المرحلة العربية الإسلامية، وبيرون والبرونيين ،ومونتاني الذي كان له أثر في فلسفة ديكارت ،بيد أنه رغم السبق لدى هؤلاء بخصوص اعتماد الشك ،إلا أن الشك الذي نهجه وسلكه صاحب تأملات ميتافيزيقية كان مميزا أو لنقل مختلفا ومغايرا، وشكل منعطفا حاسما ونقطة تحول في مسار الفلسفة بوجه عام ،والفلسفة الحديثة على وجه التحديد ،ومن خلاله اعتبر ديكارت المدشن الفعلي للمرحلة الحديثة ،واستحق أن يكون رائد الفلسفة الحديثة ،هذه الحظوة التي نالها ديكارت والمكانة التي بات يحتلها ترجع لطبيعة الشك الذي سلكه واعتمده كمنطلق وأساس لفلسفته ،والمتمثل في الشك المنهجي، وهو نقيض الشك المذهبي الذي يعد شكا من أجل الشك ،في حين يعتبر الشك المنهجي آلية ووسيلة وطريقة تنسجم وتتماشى مع طبيعة التفكير الفلسفي الذي يسعى للبحث عن الحقيقة ، فمسار الفلسفة الديكارتية انطلق من الشك، والغاية كانت هي تأسيس العلوم والمعارف على أسس صلبة ويقينية .

مقدمة:
" يجب أن تبدأ العدمية بواسطة الذات في حد ذاتها"
العدمية هي الاعتقاد بأن جميع القيم لا أساس لها من الصحة وأنه لا يمكن معرفة أو توصيل أي شيء. غالبًا ما يرتبط بالتشاؤم الشديد والشك الراديكالي الذي يدين الوجود. لن يؤمن العدمي الحقيقي بأي شيء، وليس لديه ولاءات، ولا غرض سوى، ربما، دافع للتدمير. في حين أن قلة من الفلاسفة يدعون أنهم من العدميين، فإن العدمية غالبًا ما ترتبط بفريدريك نيتشه الذي جادل بأن آثارها المدمرة ستدمر في النهاية جميع المعتقدات الأخلاقية والدينية والميتافيزيقية وتسبب في حدوث أكبر أزمة في تاريخ البشرية. في القرن العشرين، شغلت موضوعات العدمية - الفشل المعرفي، وتدمير القيمة، والافتقار إلى الهدف الكوني - الفنانين والنقاد الاجتماعيين والفلاسفة. في منتصف القرن، على سبيل المثال، ساعد الوجوديون في نشر مبادئ العدمية في محاولاتهم لإضعاف إمكاناتها المدمرة.

تقديم
فرضت أزمة كورونا على الإنسان إعادة حساباته بالرغم من التطور العلمي والتكنولوجي والرقمي الذي وصل إليه. كما فرضت على العقل الإنساني العودة إلى إعادة التفكير في وجوده الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ومحاولة إعادة الفهم على أسس جديدة مختلفة عما كانت عليه سابقا. فالجائحة زعزعت اليقينيات المطلقة عند الإنسان المعاصر الذي انحرف بالعقل إلى العقل الاداتي المتمركز على ذاته واعتماده على التقنية والعلم كايدولوجيا لتدبير الشأن العام وإساءة استعمالهما. الشيء الذي أدى إلى التسلط واحتكار السلطة في المجتمع المعاصر. فما هي خصائص الفعل التواصلي؟ وكيف يساهم في تجاوز أزمة المجتمع المعاصر وتحقيق العيش المشترك في الفضاء العمومي؟

1- خصائص الفعل التواصلي في الفضاء العمومي

يرى الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس أن العقل الأداتي المطلق أنتج الفردانية و السيطرة البورجوازية أفقدت الإنسان حريته. بل أكثر من ذلك أصبح هذا العقل مطلقا ويقينيا ولا يقبل الرأي الآخر، أسقطه في الديكتاتوريات التي عرفتها أوربا والعالم في القرن العشرين. أدى ذلك إلى إصابة الإنسان الأوربي بالغرور والتسلط  والتمدد عن طريق الحركات الاستعمارية التي استعمرت الدول واستغلت شعوبها، وصل الأمر إلى حد الإبادة. واستمر العقل الأداتي بطبيعته المطلقة في الهيمنة كتعبير عن النظام الرأسمالي ونظامه السياسي بدون التمكن من التخلص من تناقضاته البنيوية بالرغم من الثورة العلمية والتكنولوجية والرقمية التي تمكن من تطويرها على مدى عقود بشكل هائل.

"عندما تقضي الكثير من الوقت في السفر، تصبح أخيرًا غريبًا في بلدك."
يطالب رونيه ديكارت في قواعد من أجل حسن قيادة العقل اتباع القواعد المنهجية التالية:
القاعدة الأولى:
يجب أن يكون الهدف من الدراسات هو توجيه العقل لإصدار أحكام صلبة وصحيحة حول كل ما يأتي في طريقه.
القاعدة الثانية
يجب أن نتعامل فقط مع الأشياء التي يبدو أن أذهاننا قادرة على اكتساب معرفة معينة لا لبس فيها.
القاعدة الثالثة
فيما يتعلق بالأشياء المقترحة لدراستنا ، يجب أن نسعى ، ليس ما يعتقده الآخرون أو ما نخمنه نحن أنفسنا ، ولكن ما يمكن أن يكون لدينا حدس واضح وواضح أو ما يمكننا استنتاجه على وجه اليقين: لأنه لا توجد طريقة أخرى لاكتساب العلم .

إهداء:
إلى: حلا كبارة
إلى صغيرتي: ريم
"زهرة دوار الشمس، زهرة قوية، زهرة خصبة،
زهرة تمنح الحياة"
حلا كبارة
"إن الرسم هو فكر: فالرؤية تتحقق بواسطة الفكر،
والعين تفكر أكثر مما تضغي كذلك"
"كل إحساس هو سؤال، حتى ولو كان الصم وحده
يشكل جوابه"
جيل دولوز- فيليكس غتاري
مقدمة
اعتبر جيل دولوز فن الرسم شكلا تعبيريا مُتميّزا ومُثيرا، وأشاد باللقاء مع "لوحة" مقارنة باللقاء مع الناس. هكذا كان دولوز يخرج بشكل متواتر، إن لم نقل أسبوعيا لمشاهدة معارض فنية، تؤكد كلير بارني Claire Parnet. إنه في "حالة ترصد" لمثل هذه اللقاءات الرائعة، باحثا عن لوحة تلمسه وتؤثر فيه، فهي التي تساعده على "الخروج من الفلسفة بينما يظل داخلها"، بل "يمضي إلى أبعد من الفلسفة". إن "المضي إلى الأبعد" يعني جلب شيء جديد، وخلق مفاهيم قادرة على حل مشكلات، وإبداع صور تعكس الحقيقة، وابتكار طرق جديدة للتفكير وأساليب أخرى للحياة والوجود.

"الهاجس المتمثل في البحث عن اسلوب جديد للتفلسف، يزيح التراتبية التقليدية بين الفلسفة والادب"
مصطفى لعريصة؛ مدارات الذات، ص 33
كيف يمكن للقارئ ان يتمثل النصوص التي ولدتها لحظة تخلخل النسقية؟ تلك النصوص التي تهرب وتنفلت من محاوله تجنيسها، هذا النوع من النصوص التي تمارس تطوافا وترحالا فوق كل الاجناس والانساق السردية، حيث كل نص سرد لكن ليس بالمعنى التقليدي بل بالمعنى المتجاوز والمنزاح، هذه النصوص الرحالة تستعير هذه الصفة فقط وليست مرتبطة بها.
ان الاستعارة شيء غريب فهي التي تعطينا تلك الإمكانية اللامتناهية للتفكير او لممارسه ما نسميه تفكيرا، تنزاح بنا الاستعارة الى الافاق التي لم تطرق بعد او التي لم تطرق بشكل كافي وتعطينا امكانيه التفكير في المحال اليه، الاستعارة قول يقال محيلا على مجموع صور وعلى التعدد والاختلاف و المهمش.

"الفن علاج شأنه أن يشفي من فرط المعرفة"
فريديريك نيتشه
"الفن هو الشيء الوحيد الذي يقاوم الموت"
أندريه مالرو
"على الفيلسوف أن يصير لا فيلسوفا حتى
تصير اللافلسفة أرض الفلسفة وشعبها"
جيل دولوز
مقدمة
لم يُخف جيل دولوز امتعاضه من الحالة التي أصبح يتخبّط فيها الفن بقوله:"أصبح كل فن اليوم أكثر طفولية كل يوم. كل شخص لديه رغبة مجنونة في أن يكون طفوليا قدر الإمكان. أنا لا أقول سخافة: صبيانية.. الفن اليوم إما شكوى plainte أو قسوة cruauté. لا يوجد تدبير آخر: إما أن يشتكي المرء، أو يقوم أحدهم بممارسة القسوة الصغيرة دون مبرر"(1). تزامن هذا التخبّط الفني مع تصاعد الهجوم على الفلسفة والتشهير بنهايتها وموتها، وتخوف دولوز من أفول نجمها، الشيء الذي دفعه إلى الإنفتاح على حقول فنية كالرواية(2) والرسم والسينما والموسيقى والمسرح... . وإذا كان إسم دولوز قد اقترن بتعريفه الشهير ل"الفلسفة كإبداع للمفاهيم"، فإن اهتمامه بالفنون كفيلسوف -وليس كناقد- مكّنه من تعيين مهمة الفن باعتباره إبداعا ل"المؤثرات الإدراكيةles percepts " و"المؤثرات الإنفعالية les affects" ول"الإحساسات les sensations ". إن هدف الفن بما لديه من وسائل مادية، هو أن يُعرّي المؤثر المدرك من إدراكات الموضوع ومن حالات الذات المُدركة، وأن يُعرّي المؤثر الإنفعالي من المشاعر كمعبر من حال إلى أخرى. فاستخراج كتلة من الإحساسات [يعادل] كائن حسّي خالص(3).

الكل يواجه ما يعتبره خطرا عليه من منظور الكل للكل، بينما الكل يتشكل من أجزاء و جزيئات(مجموعات و أفراد). أجزاء غير منسجمة، بل ومتنافرة في ما بينها، ناتجة عن انقسام هذا الكل المتماسك بوحدة الجزئيات وغير المنسجم بتنافر الأجزاء، وأفراد متماسكة ومتمسكة بالكل، حيث أصبح كل فرد يقاوم و يصارع داخل الجزء الذي يتواجد فيه، وكل جزء يتصارع ضد الأجزاء الأخرى في إطار صراع الأجزاء المكونة للكل. لكن كل فرد منتم إلى جزء معين تربطه علاقات بنيوية مع أفراد وجدوا أنفسهم منتمين إلى الأجزاء الأخرى المختلفة في ما بينها. أي، انسجام عام على مستوى الأفراد، واختلاف مجموعاتي خاص تحكمه توجهات إيديولوجية و دوغمائية غير مستوعبة للأسس التي توحد الكل وتجعل منه حصنا منيعا ضد الأجسام الغريبة والدخيلة، دون أن ينعكس السلوك الخاص على العام، ولا السلوك العام على الخاص. لنخلص إلى أن مجموع الأجزاء لم تعد تشكل الكل على أساس مبادئ مشتركة تبرر وجودها كأجزاء أو مجموعات، بينما مجموع الأفراد تكَون هذا الكل انطلاقا من مبادئ مشتركة متجذرة، تعجز المجموعات على استيعابها وتبنيها، حيث الأفراد متمسكة بالكل و موزعة على أجزاء غير منسجمة داخل الكل.