" الفن هو محاكاة الطبيعة"
لقد كان السفسطائيون بالفعل متجولين يعلمون إما دروسًا احتفالية أو طرقًا لتحقيق انتصار الحقيقة . وهكذا ، كانت فلسفتهم مبنية على السعي الوحيد للنجاح من خلال فن الإقناع والإغواء. يدعو السفسطائيون إلى وضع الحقيقة في منظورها الصحيح. ظهرت فلسفتهم في وقت أخذت فيه الحياة الفكرية شكل لعبة ، وأحيانًا منافسة: تم الدفاع عن هذه الأطروحات من قبل منافسين يمنحهم القاضي السيادة ، ويساهم غالبًا الجمهور في تتويجهم بالجوائز. ونتيجة لذلك ، لم يعد الفيلسوف يبحث عن الحقيقة أو يجدها ، بل يقترحها ويقدمها للحكم المدقق. هذا هو السبب في أن الفلاسفة اللاحقين سيولون عناية كبيرة لتمييز أنفسهم عن المتحدثين السفسطائيين. لهذا السبب ، على سبيل المثال ، في محاورة الغورجياس لأفلاطون ، يبتعد سقراط عن الالتزام بالرد على خطاب كاليكلاس لصالح العدالة الطبيعية ، ويشكو من استعمال الخطاب.

كلير كرينيون دكتورة في الفلسفة في المركز الوطني للبحث العلمي ومحاضرة في الفلسفة بجامعة باريس-سوربون. في هذا الحوارالذي خصت به موقع lyoncapitale.fr ، تسلط الضوء الفلسفي على الأزمة التي نمر بها، من خلال استدعاء كبار المفكرين منذ أفلاطون.
– أي دور الفيلسوف في زمن الوباء؟
+ يجب أن ننتبه لما يقوله بالضبط فلاسفة الطب. علاقة أفلاطون بهذا المبحث أبعد ما تكون عن اللبس. إذا أشاد أفلاطون بالطبيب، فقد أصر أيضا على البعد التقريبي للطب كفن. هذا الأخير في نفس الوقت ضروري للناس، لكنه يشير أولاً إلى حقيقة أنه على عكس الحيوانات المزودة بالمخالب والدروع والقرون للدفاع عن نفسها، نولد عزلا وضعفاء، ونكون بحاجة إلى اللجوء للفنون والتقنيات من أجل البقاء (انظر أسطورة بروميثيوس).

"ليست السلطة بل الذات هي التي تشكل الموضوعة العامة لأبحاثي"
ميشيل فوكو
تقديم
دشّن ميشيل فوكو منذ أواسط السبعينات من القرن العشرين عملية انزياح نظري يهم هذه المرة محور "الذاّت". فبعد دراسة ألعاب الحقيقة حسب نموذج عدد من العلوم التجريبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، ودراسة ألعاب الحقيقة بالنسبة إلى علاقات السلطة، حسب نموذج الممارسات العقابية، فرض عمل آخر نفسه وهو: دراسة ألعاب الحقيقة في علاقة الذات بذاتها وبناء ذات النفس(1). يأتي اهتمام فوكو بالذات في سياق تاريخي مطبوع بفقدان "تقنيات الذات" و"فنون الوجود" و"القيم الجمالية" الموروثة عن الثقافات والفلسفات القديمة (يونانية-هلينية-رومانية) جانبا من أهميتها واستقلالها عندما تم دمجها مع المسيحية وعبر ممارسات أبوية ما، ثم فيما بعد خلال ممارسات من نوع تربوي، طبي، أو نفسي(2). أصبح إذن من الضروري والمستعجل استعادة ذلك التاريخ الطويل ل"تقنيات الذات Techniques de soi" و"الإنهمام الإيتيقي Souci éthique " و"إستطيقا الوجود Esthétique de l’existence"، والتفكير في عملية عيش الحياة وعبورها بشكل فني ورائع.

" إن فعل المعرفة ليس مجرد تقبل سلبي لما يرد على الذات العارفة من الخارج بقدر ماهو نشاط مطابق للمبدأ الفاعل النشيط الساري في الكون"[1]
تعرف فلسفة زينون بالرواقية لأنه كان يجتمع مع تلاميذه في الرواق، وكانوا يجعلون من اجتماعهم فرصة للتدرب على محبة الحكمة تجاوزا للقصور الفكري والتقليد نحو حالة الرشد الذهني والإبداع المعرفي.
من المعلوم أن الرواقية تؤسس للمدرسة وتشرع لها بوصفها مؤسسة حاضنة تتبنى عقولا جديدة وتحتفي بالدرس. كما تؤكد على مبدأ الاحتذاء القائم بين الأستاذ والتلميذ وعلى شروط التدرب على الحكمة. ولكنها بوصفها مدرسة عملية توفر للمتعلم فرصة اتخاذ قبلة خاصة به في التفكير وما يلفت النظر في الرواقية هو انبناؤها على فكرة التعاطف الكوني وعلى مبدأ وحدة الوجود. فهي تآخي الموجودات وتدعو إلى الانسجام مع الطبيعة ومع الذات. بما يخدم لقاء الإنسان بالإنسان ويؤسس للتسامح والعيش معا.

في خضم الأزمة الصحية، عاد الموت، متفشيا في كل مكان، ليقض مضجعنا. في هذا المقال، يعود ماريو يونو ماروزان إلى علاقتنا به ويساعدنا على فهم اختفائه التدريجي في المجتمع الحديث الذي أعلنته حركة التنوير.

ماذا يمكن أن يقول لنا الفيلسوف في خضم أزمة وبائية؟ مما لا شك فيه أنه ليس لديه هنا ما يقوله إذا اعتبر المرء أن المناقشات حول هذا الموضوع مخصصة حصريا للعلماء الذين يسعون إلى تقديم إجابات على جميع أسئلة الإنسان - بينما عند الفيلسوف، يبدو أن هناك تعددا في الأسئلة ونقصا في عدد الإجابات. في المقابل، إذا نظرنا إلى هذه الأزمة بطريقة أكثر شمولية، فيبدو لي أن قولا فلسفيا معينا - بالأحرى غير نظري وتأويلي أكثر منه إبداعي - يمكنه إلقاء ضوء ساطع على هذه الأزمة التي نكون فيها أمام تعقد كبير للإنسان الحي.

" نشهد اليوم اضطرابًا غير مسبوق في عملية العمل والاستهلاك المتسارعة التي اعتدنا على العيش فيها"
حنة أرندت 1906-1975 هي واحدة من أهم المثقفين في القرن العشرين ، وقد تناولت ظواهر الفلسفة والسياسة والأخلاق وتعقلت فوضى العالم ونشطت في مناهضة للنازية وكانت في الوقت نفسه مقاتلة في مجال حقوق الإنسان ونبهت من الأخطار التي تهدد الديمقراطية وقاومت للاستبداد وانخرطت بقوة في المعارك الرئيسية، وفكرت في الحدث وفي هشاشة الإنسان وعاشت في حياتها ما افترضته من أفكار جادة.
تحاول حنة أرندت أن تصف الوضع البشري بطرحها الأسئلة الاشكالية التالية: ترى من نكون؟ وأين نحن؟ وما العالم الذي نسكنه؟ وما طبيعة العصر الذي نعيش فيه؟ وماهو المصير الذي ينتظرنا؟ وكيف يمكننا أن نتغلب على هشاشتنا ونصنع المشترك؟ وهل ارادة الحياة المشتركة ممكنة؟ ومتى تتحقق كرامة الانسان؟

“مشكلة سقراط” أول عنوان موح بشكل مباشر لمقطع من كتاب “أفول الأصنام” لفريديريك نيتشه، أحد آخر منشوراته. سقراط وأفلاطون، كما يقول هذا الفيلسوف، كانا منحطين. بتعبير أدق، كان سقراط منحطا ينتمي إلى أدنى طبقة من الشعب، إلى الدهماء.

يقول نيتشه: “كل شيء عنده (سقراط) مبالغ فيه، مهرج، كاريكاتوري. كل شيء مخفي في نفس الوقت، غني بالدوافع الخفية، تحت أرضي. لغز سقراط يكمن في المعادلة الغبية بين العقل والفضيلة والسعادة – معادلة معارضة لكل غرائز الإغريق الأوائل، للصحة والنبل اليونانيين. يتم توفير مفتاح هذا اللغز من خلال الاكتشاف السقراطي للجدلية، أي البحث عن الأسباب. كان اليونانيون الأوائل من الطبقة العليا يزدرون البحث عن أسباب سلوكهم وعرضها. لم يكن الامتثال للسلطة، للقيادة سواء من الآلهة أو من أنفسهم، سوى مسألة أخلاق حسنة بالنسبة إليهم. الوحيدون الذي يلجأون إلى الجدل هم أولئك الذين لا يملكون وسائل أخرى ليكونوا مسموعين ومحترمين. إنه نوع من رد فعل الأخيار ضد الأشرار”.

عرض الفيلسوف الألماني غوتفريد فيلهيلم لايبنتس (1646-1716) نظريته في الربوبية في كتيب بعنوان: "مقال الثيويديسية عن طبيعة الله وحرية الإنسان وأصل الشر" (1710 ) وفيها وصف نظاما فلسفيا شهيرا يعتمد على "الانسجام المحدد مسبقا" لشرح وجود الشر على الأرض. وهكذا، وفقا لتفاؤلية لايبنتس، الشر ليس إلا ظلا للخير. تبني لايبنتس أدلة تبرر خيرية الله على الرغم من الشر الموجود في العالم.
ينطلق لايبنتس في نظريته من مبدأ الكمال والخير الإلهي. وبحسبه، لا شيء يمكن أن يكون كاملا مثل الله، لذا فإن العالم ليس كاملاً، ولكن، بما أن الله خير، فإن العالم الذي خلقه هو بالضرورة أفضل عالم ممكن. لذا فإن العالم الذي خلقه الله لا يمكن أن يكون كاملاً ؛ وبالتالي فإن الشر ليس سوى مظهر، وإذا اعتقدنا أن العالم يعاني، فذلك لأننا غير قادرين على إدراك الهدف الجيد بالضرورة الذي يبرر هذه المعاناة.

" الفن هو نوع من اللغز يجعل الذي يفكه يستمتع بسرعته في الفهم وبفطنته"[1]
لعل السؤال الأولي لأي تفكير فلسفي: في أي شيء يعتقد أنه من الواجب التفكير في مثل هذا العمل الفني، والبقاء فيه وإعادة التفكير فيه ؟
هذا السؤال أساسي يمكن طرحه حول الفن، لأنه في الواقع جزء جيد من التقاليد الفلسفية، يسير على خطى أفلاطون، الذي سعى لأن يذكرنا بأن الفن لا يستحق أن يكون شيئًا من التفكير الفلسفي، وناهض كل أطروحة الفلسفة تسير على هذا النحو، فإن أي روح ترغب في التفكير بشكل جيد يمكن أن تتحول فقط عن الإغواءات الحسية التي تزرعها الأعمال الفنية على المسار الصعب للزهد الفلسفي:

عندما يواجه العالم واقعا يتجاوزه، عندما تكون حياة البشر على المحك، تظهر مجددا الأسئلة الفلسفية. هكذا تجبرنا فترة الخوف والذعر والقلق هاته على إعادة وضع الفكر في صلب حياتنا اليومية. الأسئلة الذي التي تظهر في مثل هذا الموقف هي من صميم الحياة اليومية للفلاسفة الذين تساءلوا، منذ 2500 سنة على الأقل، عن العالم، اندهشوا منه، وحرصوا على إيجاد إجابات من العلم.

فهم العالم الذي ينكشف أمام أعيننا.

إن التساؤل لأجل فهم العالم أمر جوهري بالنسبة للفلاسفة. يقول أرسطو بهذا المعنى: "الدهشة، هى التى دفعت المفكرين الأوائل، وكما يحدث اليوم، إلى التأملات الفلسفية.". فأن تكون فيلسوفًا هو إذن ان تكون لديك قدرة معينة على الاندهاش. هذا الاندهاش ليست عبثا، ويجب أن يجد إجابات لأنه يطرح أسئلة، يزعج. في الحقيقة، لهذا السبب كان علماء الطبيعة والرياضيات، في العصور القديمة، فلاسفة أيضا، مثل طاليس المليطي.

  "كلما تم إبداع المفاهيم في مكان وزمان ما، فإن العملية المؤدية إليه ستُسمّى دائما فلسفة"
دولوز- غتاري
مقدمة
- سؤال: ما رأيك في "الفلاسفة الجدد"؟
- جواب جيل دولوز: "لا شيء. أظن أن تفكيرهم بدون قيمة".
سيثير هذا الجواب ردود فعل متنوعة من طرف جيل جديد من الفلاسفة خاصة في فرنسا، توحدت جلها حول تبخيس التعريف الآتي للفلسفة: "الفلسفة إبداع للمفاهيم". يأتي على رأس هذا الجيل ميشيل أنفراي  Michel Onfray(1)، الذي لا يترد كلما سمحت الفرصة، على رفض ربط الفلسفة ب"إبداع المفاهيم". لكن عند متابعة دولوز وهو يقدم تعريفة للفلسفة وحُججه وبراهينه، فإننا نقف على الدور الذي لعبه بعض المُشتغلين بالفلسفة في إدخال ما سماه دولوز ب "التسويق التجاري الادبي أو الفلسفي"، والإستجابة لمستهلك متعدد الأذواق. الشيء الذي فرض على المثقفين والكتاب التحوّل إلى صحافيين ومسايرة الأعراف والإندماج في روح العصر: "عصر التواصل".