
فوق الطبلية تلفزيون قديم غطاءه مثبت بواسطة حبال من مصيص ، وأسفل الطبلية شبشب دائم التحول إلى عضاضة في فم طفل رضيع يحبو .. وبجانب الطبلية طشت قديم فارغ إلا من طفل في الرابعة من عمره يتربع في قاعه ويلهو بلا أي أداة للهو .
بعد أداءه صلاة المغرب بسرعة كأنه في سباق تمدد على الكنبة الممزق قماشها وما زالت قطرات ماء الوضوء تبلل خصلات شعره الناعم كفرشاة طلاء جديدة .. أخذ يشاهد مباراة كرة القدم بكل ما لدى جسده من خلايا قادرة على المشاهدة ، خلايا بصرية أو غير بصرية .. بعينيه يشاهد ، بعقله يشاهد ، ويشاهد بخلجات قلبه الذي يدق بقوة مع كل ركلة للكرة .. مما استدعي تقلب عضلات وجهه من لحظة إلى أخرى ما بين تقطيب وانبساط .. وما بين تكشير وابتسام .
زوجته في المطبخ غارقة بين تلال الأواني المتسخة تنظفها و دوي ضجيجها يعلو على صوت التلفزيون مرة و يخبو مرة . ها هو ذا طفل آخر يمسك ثوبها بيد ، واليد الأخرى تمسك بصحن به بقايا طبيخ ملوخية وقد أخذ يلحس قاعه بلسانه الصغير حتى دهن بها وجهه ، فبدا كمن يلبس قناعا .. قناع من الملوخية أفضل ألف مرة من أقنعة المواقف و الكلمات .