MAROC20في الوقت الراهن لا يجب التفكير خارج السياق الذي يشهده الوطن العربي برمته، فرغم أن الثورات أعادت رسم معالم الخريطة السياسية على أساس الطابع الاحتجاجي فان مقومات هذا التفكير يجب أن تنساق إلى كيفية إيجاد المشروعية التي ستحدد حدود هذه الخريطة، وتتمثل في إعادة ربط العلاقة بين الشارع وبين السلطة السياسية، إلا أن هذا الشارع لا يمكنه تحقيق مآربه إذا لم يضع ثقته في احد الأحزاب أو المؤسسات أو سلطته الحاكمة بمنحها مشروعيته. لكن ما الذي يعيق منح هذه المشروعية ؟

يشكل الجانب السوسيو-اقتصادي في المغرب أحد العوامل التي تساهم في تباعد السلطة السياسية عن محكوميها، حيث يشمل غياب هذه السلطة ومعها القوى السياسية عن ما هو اجتماعي-اقتصادي وانشغالها بما هو ديني -اعتقادي يضمن لها استمراريتها التحكمية. وتنحصر ممارساتها في الشأن الديني على حساب الخـَصاص الديني، ففي الوقت الذي خاض المغرب تجارب لنظم الحكم منها الإسلام الشعبي (الصوفي) والإسلام الشرعي (السلفي) ومدى التصارع بين هذين التياران المتباعدين حاول بعدها أن يؤسس لنظام يوازن في تصورات الفكر الديني كل الفئات، لكنه في نفس الوقت لم ينجح إلا في الانفراد بالدين كأحد تمظهرات نظام الحكم لا يحق لغيره التزايد على أحقيته أو عن تمثيليته. كلفه هذا بطبيعة الحال جهدا كثيفا لمحاولة خلق هذه التوازنات بدعم مجالات انتشاره (وتحت إشرافه، وبتكريس الطابع الرسمي على الممارسات الدينية (وزارة الأوقاف، المجالس العلمية، الندوات والبرامج الإعلامية،...).

anfasseالمواطنة مفهوم غربي المنشأ، تعكس جذوره التطور التاريخي والاجتماعي الغربي. وقد اكتسب هذا المفهوم معان مختلفة نظرا لارتباطه بتطور الجماعة السياسية في الغرب والتشكيلات الاجتماعية داخلها، بدءا من مجتمع " المدينة " اليونانية. ولهذا يعتبر الفكر الليبرالي الغربي من أكثر الاتجاهات إسهاما وإثراء في دراسة مفهوم المواطنة ( 1).
ينظر إلى المواطنة على أنها نسق من الحقوق المضمونة دستوريا، بمعنى أنها علاقة قانونية بين الفرد والدولة تقوم على مجموعة من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي ينبغي للدولة أن تضمنها للمواطنين جميعا على قدم المساواة، يقابل هذه الالتزامات واجبات يجب على المواطنين الوفاء بها.
هكذا، كما تعني المواطنة ضمان الحقوق، فهي تعني أيضا الالتزام بالواجبات تجاه الوطن. فالمواطنة هي أساس عملية الاندماج الوطني، وتمثل حجر الزاوية في الدولة الوطنية الحديثة التي تشكل الإطار القانوني والسياسي الذي تمارس فيه حقوق المواطنة وواجباتها.

anfasseلسنا بصدد توصيف تعميمي للنظام السياسي المغربي، يرمي إلى بناء نموذج نظري لطبيعة هذا النظام. وإنما سنقصر النظر هنا على ناحية من نواحي اشتغاله، حيث تتفاعل ديناميتان تبدوان في الظاهر متعارضتين، لكنهما تشتغلان، في واقع الحال، في شكل مفارقة وظيفية: هما الاستبداد والتسلط من جهة، والقبول الطوعي والمذعن لهذا التسلط من قبل الرعايا من جهة ثانية. مما يطرح  التساؤل عما يجعل هذه المفارقة وظيفية. وما جعل هذا التساؤل ملحا الآن، هو انبثاق حركة شباب عشرين فبراير التي استطاعت، إلى هذا الحد أو ذاك، أن تعيد النظر في بداهة الطابع الوظيفي لمفارقة التسلط السافر والقبول المذعن، من خلال جرأة وجماهيرية احتجاجاتها ومن خلال جذرية شعاراتها.
فما الذي يجعل تلك الوحدة التناقضية للاستبداد المشروع تعيد إنتاج نفسها باستمرار؟ وإلى أي حد ستستطيع الدينامية الاحتجاجية التي أطلقتها حركة 20 فبراير أن تحدث شرخا في تلك الوحدة؟
إذا ترجلنا عن مطية الدراسة الموضوعانية(1)[1]، ومشينا في دروب المعيش اليومي لأغلب المغاربة، من موقع التجربة والمعاناة الذاتيتين، فإننا نلج مشهدا يزكم فيه هواء التسلط الخانق كل المسام. نرمق التسلط في نظرة "المقدم" المتهمة على الدوام لساكنة الحي والمرتابة في حركاتهم وسكناتهم، ونسمعه في نبرة صيحات الموظفين الناهرة والمهينة لمرتادي المرافق الإدارية العمومية، بل حتى مرافق الخدمات الخاصة. وترهب له قلوبنا في طقوس القداسة وتقبيل اليد، ونذعن لقدريته، التي تبدو مطلقة، في قرارات الفرد الواحد. هواء الاستبداد خانق رغم أنه مختلط بروائح البخور في ليالي الذكر، وبالروائح الجذابة للسلع المستوردة في الواجهات التجارية الكبرى، أو حتى بروائح آباط الراقصين في حظائر مهرجان موازين.

20fevrier_copyفي تشخيصنا لحالة ميزان القوى الاجتماعي ما قبل 20 فبراير، وبغض النظر عن المعطى الموضوعي الثابت لاستبداد المخزن وفساد نخبه الإدارية والاقتصادية والسياسية وطغيانها، كنا نركز نظرنا على تشتت الحركات الاحتجاجية الشعبية من حيث محليتها وفئويتها، ناهيك عن افتقادها للربط بين المطلب الاجتماعي الفئوي وتأطيره السياسي العام. هذا التشتت وهذا الطابع الخبزي هما بالدرجة الأولى مفعولان للممارسة الكابحة من طرف البيروقراطيات القائدة لإطارات النضال الجماهيري (عن وعي مصلحي أو بسبب انعدام الأفق السياسي)، ولتخلف الوعي السياسي للجماهير المحتجة، وآنية مطالبها، أكانت منظمة أو عفوية. الأمر يتعلق إذن بغياب سيرورات مجمعة وممركزة ومسيسة للنضالات، وغياب قوى سياسية قادرة على، وراغبة في الانغراس في هذه البؤر الاحتجاجية من أجل حفز تلك السيرورات وتأطيرها.

أنفاستناقلت وسائل الإعلام بشكل متسارع خبر إبعاد والي المدينة الاقتصادية للمغرب إلى مدينة زاكورة إحدى المدن الصحراوية، بعدما نزلت عليه صاعقة ما يعرف بالغضبة الملكية. السبب كما رجحت بعض المصادر إلى سوء التسيير الأمني الذي شهدته الشوارع البيضاوية في الأشهر الماضية وخصوصا ما تزامن مع الزيارة الملكية الأخيرة للمدينة. الغرض من ذكر هذا الحدث، ونحن في ضوء بعض المتغيرات وتحت ادعاءات الديمقراطية، ان نلامس صورا واقعية، في شكلها العمومي، لمسالة تحمل الأخطاء على حساب المسؤولية المركزية. اي كيف يتم عتاب الكبير بناء على أخطاء الصغير. ومثل هذه المناصب تعرف بحساسيتها الأمنية ووجوب التعامل يقتضي الصرامة واليقظة الأمنية في تحمل الخطوات السابقة لأجل الصالح العام.ما الذي يستفاد من هذه الواقعة..؟ ليس القصد هنا ان نقف وراء الأسباب الحقيقية لقرار الإبعاد بقدر ما هو تساءل نظري للعملية الاقصائية للمواقع ذات الحساسية والمسؤولية الأمنية، كمثال على مسالة الوهم الافتراضي لقضية المعرفة في مثل هذه المواقع، أي المسؤول الذي لا يعرف. كيف ذلك...؟؟

3inayaفي سوسيولوجيا الإسلام ثمة ظاهرة لافتة، كلما أمعن رمز من رموز الطغيان في تلويث الدين ومسخه إلا وأسرع إلى تشييد أفخم الجوامع وأبهى الصوامع. وليْته قنع بذلك لأنه ليس ممن يعمرونها طويلا، فقصارى ما يبغيه من صنعه تخليد اسمه. لكن حاكم تونس الذي أطاحت به ثورة الشعب لم يقنعه تشييد الجوامع، فتفتقت عبقريته إلى اكتساح أسماء الساحات والشوارع، حتى كادت ألا تخلو بلدة أو مدينة في تونس من تسمية "شارع 7 نوفمبر". لكن لا الجوامع ولا الشوارع أطفأت مكنون الجوارح، فكان البحث عن دكتوراه فخرية من جامعة غربية يتقلدها "باكالوريا ناقص ثلاثة" كما يسميه التونسيون، أي "ختم الدروس الثانوية تنقصها ثلاث سنوات"، وهو المستوى التعليمي الحقيقي لبن علي.
عشية يوم أبلغتني أستاذة الأدب العربي إيزابيلا كاميرا دافليتو، الزميلة في جامعة الأورينتالي في نابولي، حين كنا ندرس هناك سويا، أن أعوان رئيس تونس وفدوا حازمين لانتزاع شهادة فخرية لولي أمرهم، عارضين إغراءات شتى على عميد الجامعة وعلى هيئة الإشراف. فالأوريِنتالي -الشرق- هي من أعرق الجامعات الأوروبية وأشهرها في تدريس الاستشراق والاستعراب والإسلاميات. حينها كنت الأستاذ التونسي الوحيد في تلك الجامعة، لم يخاطبني أعوان المخلوع في الأمر، لأنهم يعون أن هواي ليس معهم، ربما لأنهم يدركون أني زيتوني، ويعلمون أني حقي في الشغل في بلدي ملغي منذ سنوات، وأن جواز سفري التونسي صودر لعدة سنوات، ففكروا وقدروا تجنّبي.

amghareبدخول الدستور الجديد حيز التنفيذ تكون اللغة الامازيغية على المستوى القانوني لغة رسمية للمغرب  وفق ما جاء في مقتضيات المادة الخامسة من الدستور والتي اعتبرت اللغة الامازيغية أيضا لغة رسمية للدولة إلى جانب اللغة العربية التي تظل بدورها اللغة الرسمية للدولة.
وقد ذهب الدستور إلى اعتبار الامازيغية رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء أي سواء للناطقين بالامازيغية او غير الناطقين بها،كما تطرق  في نفس الفصل إلى مسالة تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية بهدف قيامها مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية ولهذا الغرض أحال الدستور على القانون التنظيمي الذي سوف يحدد مراحل التفعيل وكيفيات الإدماج.
والمعروف في أدبيات القانون الدستوري أن القانون التنظيمي هو القانون الذي يفصل و يفسر ويكمل نصوص الدستور , ويأتي من حيث الترتيب ما بين النص الدستوري والقانون العادي - وان كان بعض فقهاء القانون الدستوري يعتبرون القانون التنظيمي جزء من الدستور نفسه- وتتجلى أهمية القوانين التنظيمية في ضرورة إحالتها  إلزاميا على المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذها  للبث في مدى مطابقتها لمقتضيات الدستور.

"dicta123456لا شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع و السياسة كلها، و أن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له و استكانوا إليه، و أن يبنوا قواعد ملكهم و نظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية و أمتن ما دلت على أنه خير أصول الحكم"  - علي عبد الرازق-
لم يكن الأساس الإبستمولوجي الذي نهض على أكتافه الفكر السياسي في الغرب ينطلق بالفعل في التنظير للسياسة من تحليل الواقع التاريخي كما هو مجسد، و إنما تجاوزه فاسحا المجال و مطلقا العنان للخيال الخصب للتحليق بعيدا حيث البدايات الأولى للتكتلات البشرية، لكن في إطار التفاعل مع الواقع و بحثا عن ضمادات لجرحها النرجسي الذي خلقته النقلة الأنطولوجية من مركزية الأرض إلى مركزية الشمس سعيا إلى تدارك هذه "النكسة"  بتحقيق الحلم بالتمركز حول الذات الغربية، لقد افترضت نظريات في الفكر السياسي الغربي، ستنسلخ فيما بعد عن أفقها القومي الضيق لتحمل دلالات أعمق ذات أبعاد كونية و تستحيل بالتالي إرثا للإنسانية ككل، أن الإنسان في غابر الأزمان عرف  ما سمي بحالة الطبيعة أو الحالة الأصلية بتعبير بعض المعاصرين، حيث كان الإنسان يعيش في غياب أي قانون أو التزام على الفطرة بكل ما تحملها من نزوعات و ميولات شريرة كالإفراط في الذاتية و حب السيطرة على الآخر و الاستبداد بالقوة و التسلط، يصف ذلك توماس هوبز في "اللافيتان" أو "التنين العظيم" بقوله : " في هذه الظروف ليس هناك مكان للصناعة لأن الإنتاج غير مضمون، و تبعا لذلك لا استصلاح للأرض، و لا ملاح، و لا بضاعة للتصدير عن طريق البحر، و لا مباني مريحة، و لا معدات للنقل، و لا معرفة لوجه الأرض، و لا اعتبار للوقت، و لا فنون، و لا أدب، و لا مجتمع، و الأسوأ من ذلك كله الخوف المستمر و خطر الموت، و أن الإنسان يعيش العزلة و الفقر و الحاجة و الهمجية"، لم تسر الإنسان هذه الحياة، و سيرنو إلى الترقي نحو الأفضل، و بالفعل مع تطور وعي الإنسان بكينونته و ذاته عبر تاريخ طويل من القطائع مع عادات و ثقافات الماضي و سياساته البدائية استحال هذا الأخير "كائنا سياسيا" نادى بالعقد الاجتماعي و تأسيس كيانات سياسية غايتها حفظ التوازن في المجتمعات الإنسانية، توازن طبقي بالأساس، و القطع مع قانون الغاب حيث الغلبة  للأقوى.