أنفاسهرولت مسرعا ومن فراش نومي الى مفوضية الشرطة , رغم أن الساعة تجاوزت منتصف الليل , لكن الطارئ الذي حدث في منامي أرغمني على الهرولة الى هناك!
وجدتني أمام شرطي نائم ملقي بجسده ذو البناء العشوائي على الأرض مباشرة أمام المفوضية ويغط في نوم ثقيل , دلفت ومباشرة   أمرت قدمي بالتوجه الى درج البناية لأجدني واياها في غرفة مضاءة من مجموعة مغلقة , ودون أن أشتم رائحة كائن بشري هناك. ولأجلس على كرسي هو كل ما هنالك!
وشرعت أصرخ وبصوت رخيم ورومانسي: لقد سرقوا الشمس! أعجبني هذا الموال وأعدت : لقد سرقوا الشمس!
أحسست بثقل على كتفي , وبيدين بحجم جبل تجثمان علي , وبرعشة تغمر كل جسدي وصوت جهوري يستفسر أي شمس؟
_ قلت: الشمس التي خلق الله!
لكن اليدين توزعتا , واحدة ربتت على كتفي وأخرى التفت حول رقبتي , و بالصوت يهدأ من روعي وبلطف لا تخف ستعود الشمس؟!!!!
بعدها ما عدت أذكر الا أن تيار الكهرباء في جسدي انقطع , ولاستيقظ صباحا مهشما كلوحة زجاج سقطت من اعلى, بالكاد بقيت بضع أضراس في فمي, ووجدتني ممددا وسابحا في بركة من دمي , وخشيت أن أكون تعرضت لإتلاف سلطوي , لكن حذاء أسود لمحته عينياي وصوتا يدغدغ - هنيئا لك - تمتصه أذناي بل وتحدث عن فشل محاولة قلب النظام باعترافي الخطير عن أسرار " عملية شمس" ورمى أمامي كتبا من حجم أربعمائة صفحة لتوقيعه.

أنفاسفسحتها الوحيدة، نافذة بشباك حديدي.. تعودت أن تقف أمامها لساعات طوال رغم اعتراض أبيها.. يأتي صوت الجدة، حادا:
هل نادى المؤذن على الصلاة؟
باقي.. تجيب بصوت غائب
وتواصل وقوفها هناك.. تخشبت رجلاها.. تغير زاوية الرؤية.. تلتفت إلى يمين الشارع.. تتابع حركة المارة، وتستنتج آخر أخبار الجيران..
منذ منعها والدها من متابعة الدراسة قبل سنوات، قلّت فرص احتكاكها مع الناس.. بالكاد تخرج مرة أسبوعيا للذهاب للحمام..
تلك الجارة كانت حاملا قبل أسبوع.. وهاهي تنزل من سيارة الأجرة برضيع بين يديها.. وصديقتها نورة التي تلتقي بها في الحمام، قد غادرت للتو لملاقاة حبيبها.. وعدها أن يتزوجها الصيف القادم..
هي، كانت تتوقع زيارة من أهل ابن البقال، لكنه أتى بعروس من قريته قبل شهرين.. أخبرتها نورة أن العروس صغيرة جدا ولا تعرف شيئا من أشغال البيت ولا ال....

أنفاس- توقف يا إبراهيم، توقف وإلا أطلقنا النار عليك.
هربت كمجنون يسابق الريح، هربت وأنا لا أرى شيئاً سوى الفراغ، صحراء من الخوف تحاصرني. أعدو رافعاً بنطالي إلى أعلى كي لا يتسخ، لكنه رغم ذلك يغرق في أوحال القمامة.
عند مفترق للطرق تواجهني زحمة غريبة. جميع ركاب الحافلات يحدقون في وجهي، أصحاب السيارات يشيرون ببنانهم تجاهي أيضاً. وأنا لا أعرف شيئاً سوى الفرار. شيء واحد يهزني من الداخل، "ماذا حدث؟!"، وفجأة أصطدم بسيارة تمر من أمامي مسرعة فأسقط أرضاً، أهذي، أترنح بين الإغفاءة والحلم، كأنه أغشي علي، أو كأنني مت، كنت أسمع خلال ذلك بعض الهمهمات، واللغط واللعنات.
عندما استيقظت وجدت نفسي مكبلاً بالقيود داخل أحد الكهوف، وعلي عينيّ عصبة سوداء، حينها خشيت أن أكون قد عميت، أو أن عينيّ غاصتا في بحيرة من عتمة. خلال تلك الأوهام بصق أحد الأشباح في وجهي وهو يلج المكان، فصرخت في وجهه:
- اللعنة عليكم.
- ............
- لماذا أنا هنا؟ ومن أنتم بحق السماء؟

أنفاسأجزم.. لم يكن لأبى يوماً مثل هذا الصندوق الأسود المرتفع؛ لم يكن في بيتنا مكان يمكن  إخفاؤه به.
  .... وكان يمد يده ويخرج أشياء متعلقة بطفولتي، لا أعرف، يقيناً، إن كانت مرَّت بسنوات عمري الأولى. أذكر الحُـلل العسكرية الثلاث: جيش، وطيران، وبحرية. أذكرها، وكانت – كلها -  تحمل رتبةً لم تتغير، هي "البكباشى"؛ ولا يزال محفوراً في وعيي حزني وحسرتي، لأنها كانت –  جميعهـــا -  بلا غطاء رأس.. كانت نقود أبى تعجز - في كل مرة- عن شراء الزيِّ كاملاً .. وكنت أقضي أيام العيد أحاول ألاَّ أُبدى النقص الواضح، ليكتمل زهوي بين عيال الشارع وتميزي عنهم. وكنت - عندما يسألونني - أرد عليهم، كما علمني أبى، وبشيـئ من عدم الاكتراث: الضباط العظام لا يضعون غطاءً للرأس في كل الأوقات!.
     دعوني أُســـــــلِّم بأن أبى كان يملك مثل هذا الصندوق الأسود الكبير؛ والحقيقة هي أنني متأكد من أن هذا الصندوق، نفسه، كان يخص "الجاويش الشوربجي"، زوج "الست أم محمود"، جارتنا بالبيت الكبير، في ( غيط العنب ). تسللت يوماً إلى حجرة النوم الملحقة بـ "المقعد الكبير".. كان الصندوق مفتوحاً، تفوح منه رائحة الملابس والمهمات المخزونة، وكان به بذلات الشاويش البيضاء الصيفية والسوداء الشتوية،  وأحذية غليظة،  وبطاطين ذات ملمس خشن؛ كان هدفي أن آخذ غطاء رأس أسود،  وأن ألمس المساحة النحاسية المستطيلة اللامعة في حزام الشاويش الشوربجى؛ ولكن الوقت لم يسعفني. كانت أم محمود مستلقية عارية فوق السرير .. لم تنهرني،ولكـن أطلقت ضحكتها الرنانة ذات الذيل، وقالت بلطف: " عايز إيه يا ولد إنت يا عكروت؟! ".

أنفاسحبات المطر في الخارج تتناثر بتمهل على زجاج النافذة ، فتحدث صوتاً ناعماً يشبه النقر البطيء على صفيحة فارغة . وضوء الشمس لم يعد يرسل جدائله.... يتسلل عبر خروم الستارة العتيقـة المتدلية على النافذة بوساطة مسمارين مثبتين على الحائط . كانت العاصفة الثلجية قد انجابت، وهدأت قبل قليل... وثقل المكان بالسكون، والقلق والترقب ، باستثناء نقر حبات المطر الخفيفة المتباعدة ، وصوت خرير مياه الأمطار تسيل باتجاه القنوات والحفر في الشارع الموحش الخالي من المارة .
في الداخل ، كان الزوجان جالسين حول وابور الجاز يطلق فحيحه باتصال قبيح ، يمـدان ذراعيهما فوق رأس الوابور المغطى بقطعة معدنية صدئـة ، يبسطان بطون أكفهما الباردة لحظة ، ثم يخطفانهما، ويشرعان بفرك البطن بالآخر، والأكف ، ينفخان، ويتوحوحان مثل طفلين بريئيـن يحاولان طرد البرد من أصابعهما البضة المتورمة . بالقرب منهما كيس بلاستيكي شفاف يطفح بالكستناء ، يأخذان منه الحبة يضعانها على الوابور يشويانها ، وفور أن تحترق القشور يدفعانها فتسقط على الأرض ، ثم يندفعان يقشرانها ، يلتهمانها بشراهة ، وهكذا دواليك الحبة تلو الأخرى .
قبالة الزوجيـن يرقد تلفاز لا يند عنه صوت ، هيئتـه تزيد من حدة القلق والقرف في نفسيهما ، بسبب صوت الأنيـن المنبعث من الغرفة الأخرى ، ينصتان إليه دون اكتراث أو وجل . كانت أم الزوج وحماة الزوجة : العجوز طريحة الفراش منذ مدة ، تصرخ وتتألم كأن ناراً نهمة تزدرد أحشاءها، تتـاخم حدود الموت : وتتأوه تأوهات جشاء . أنينها يقطع القلب ، ويكاد يهزّ الجدران ، ويصفق الأبواب والشبابيك ، وكأنه يريد فتحها يشرعها نحو الفضاء شاكيا علّ أحدا من العالم الخارجي تتحرك لواعجه .

أنفاسالتقيتها. لم تتأخر كثيرا عن الموعد المضروب بيننا سلفا, عيناها حمراوان مثل حبتي طماطم ناضجتين. دخلنا إلى أقرب مقهى هروبا من عيون تحترف الفضح كما قالت هي.
رميت جثتي على مقعد وجلست هي قبالتي. صرت أدخن, صامتا. عيناها الماتزالان حمراوين تنبشان في وجهي. أحسهما. أشعلت سيجارة أخرى بجمر السابقة. جاءني صوتها:
- تدخن كثيرا!؟
- .........
- لماذا تدخن؟
- لأني أدخن.
عبرت ابتسامة تفتعل الحزن إلى شفتيها.
سرحت بعيدا. كانت ترمقني, لعلها تنتظر أن أقول شيئا. ليس عندي ما أقوله. هي اتصلت بي وطلبت لقائي. كثيرا ما كانت تؤجل هذا اللقاء عندما كنت أنا أبادر بطلب ذلك. كانت تتذرع بأسباب لا تقنعني ولو أني كنت أبدي تفهمي لظروفها. وهاهي اليوم تبادر. لم أسألها عن سر الحمرة في عينيها. خمنت بأني لو فعلت ذلك فقد أفتح علي بابا من الإزعاج لا طاقة لي على إغلاقه. أيكون لهذا الأمر علاقة بلقائها بي؟

أنفاسالى الطاهر بنجلون
باريس ما أجملك وما أروعك !!!ونسيم هذا الجو الربيعي يعطرك, لو أنك تسمعين ...هاهي قدمي تطؤك ! عصفور أنا أغرد وغردت من اجلك كيف لا ؟ وانت الحلم والامل والسلام والشجرة!!!؟
يا جميلات الجميلات ,ويا عروس الحوريات ,هذا النمل النشيط سكانك! وهاته الأغصان الوارفة الظلال شوارعك !  وهاته الارواح المحلقة تحرسك فلاسفتك وشعرائك ومبدعوك!ا.
أيتها الحالمة الغارقة في فلسفتك الوجودية, كم تمنيت أن أجالس حراس معبدك: جان بول سارتر,فيكتور هوغو, وارتور رامبو ,وبول فيرلين،جان جاك روسو, وأرمان روبان...وغيرهم ممن تطول ولاتنتهي لائحتهم.
أيتها المتمنعة لو أردت وزن الشمس ذهبا مهرا , ووزن القمر قرطين هدية , ووزن الجبال فضة خلاخل تكسر صمت قدميك , لكنت الفارس اله عشتار يقدم اليك , وانت في ثوب عرس على جواد ابيض تنتظرين هذا الذي يشق غبار القدوم الى احضانك.
ها أنذا أغرد كالعندليب وقد حققت الحلم المستحيل لا أريد منك خبزا ولا عملا ولكن قبلة!!!ا

أنفاسألقى الموج بالجثة على الشاطئ كانت عالقة بصخرة تشبه لوحا من ألواح ركوب البحر ، كان صاحبها يضرب بيديه بين الحين والحين كما تفعل السلحفاة تماما وهي تنزع نحو البحر لتنجو من خطر الكواسر ، كان  الملح يعلو شفتيه ، و هو يهذي بين الفينة والأخرى ، طبعا لم أحاول أن أقدم له أي مساعدة أو إسعاف ، أولا لأنه لم يطلبهما مني ، وثانيا لأنني لا اعتقد أن ذلك ضروري ، يفيده أو يفيدني ، بل كنت أتمنى لو استطيع أن انسلخ من واقعي وأشاركه أحلامه ، فجلست إلى جانبه أسترق السمع ماذا يقول الإنسان لحظة وقوفه على العتبة الفاصلة بين عالمين.
قال :كانت لي قطعة أرض من أبي هدية له من أجداده، سقاها بدمه، ترابها بعض عظامه، بعض عظامي.
سكتت الجثة: أخذت حجرا ورميته في البحر فتلقته سمكة وعندما عرفت حقيقته تركته وانصرفت.
عادت الجثة تهذي:
زرعت القطعة وردا فجاء لونه بلون الدم، ورائحته رائحة الجنة، أعيش على استنشاق عبيره ؛ يسعدني وينعشني فلا أحتاج غيره ومنه تزوجت وأنجبت أطفالا، رائحتهم العبير وعيشهم العبير.
سكتت الجثة: أخذت حجرا ورميته في البحر فتلقته سمكة وعندما عرفت حقيقته تركته وانصرفت فقلت لها أنت طماعة.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة