أنفاسالنتوء على رأسه يكبر , يأخذ كل مرة شكلا غريبا ,لا يمكن للمرآة ان تخونه حين يسألها كل صباح قبل ان يخرج الى العمل ,,
ينظر في عيون الناس , يسألها , لا أحد يعيره اهتماما في الشارع , النتوء ينتصب فوق رأسه , ولا أحد يهتم ,,حتى زملاؤه في العمل لم يهتموا , ولا أحد منهم سأله يوما عما ينتصب فوق رأسه , ,
كان النتوء قد أخذ شكلا واضحا هذه المرة ,,, أمام المرآة , أحس بالعرق يرفع من منسوب صبيبه :
يا الهي انه شكل ضفدع ! النتوء أخذ شكل ضفدع يتربع رأسي..
يا الهي , الطبيب , آه , الطبيب ,, اين بطاقة التعاضدية , أين الحذاء ,, الطبيب حالا, لا يمكن التحمل أكثر  ..
خرج مهرولا , طاكسي ؟ لا , حافلة ؟ ستتأخر , عيادة الطبيب قريبة , سأمشي , سأهرول ,, وفجأة سمع صوتا  :
- الى أين ؟
رد دون أن يعرف مصدر الصوت  :
- الى الطبيب..

أنفاسحديث مع رَبّة الشفاء
-----------------------
لِرؤاي أجنحةٌ
وللنجمِ اصطفاقْ
وإذا دعوتُ
فإنَّ في كَفيَّ ياقوتاً بِلونِ دمٍ
ومِن آياتهِ أنْ لا يُراقْ !
----------
أنهيتُ هذه الكلمات ففرحتُ كالطفل وكأني أحمل مفاجأة كبيرة يمكن أن أريها الربة وقد أحسستُ بقدومها من خلال شوقي الكبير وحلَّتْ بالفعل وقد بدا هذا المساء نابضاً ناصعاً كرداءٍ ورديٍّ مُلقىً على كتف الغابة أمامي فهو يشع فأحس بدفءٍ في داخلي رغم لسعة البرد الربيعية التي تهبُّ من النافذة بين حين وآخر فقلتُ لها وانا أحيِّيها :
انا في الغالب أجلس أمام الورقة وذهني لا يحمل فكرة محددة , كل ما أحمله هو تحمُّسٌ ولهفة للتعبير , الصعوبة عندي كانت كثيراً ما تتمثل في البيت الأول لذلك قلتُ يوماً : أعطِني بيتاً شعرياً ناجحاً أعطِكَ قصيدة ناجحة .

أنفاس..... ثم أحمل نفسي على حنث القسم الذي اخترت له أغلظ الأيمان ، فأعود إلى الخمرة التي تنكرت لصحبتها فخذلتها رغم حسن المعاشرة، من يدري ؟ لعلها تأويني بعد طول التيه بحثا عن وجه امرأة ظلّت تسكنني في الذاكرة .
حين أقنعت رغبتي الملحة بالتحلل من الارتباط بها، لم يكن الدافع قصور يدي فقط ، أعود في الهزيع الأخير من الليل أجر خطوي كارهاً صحوي أمامها ، فيعلو صياحها أحد من صوت ديك الفجر في جنح الصمت ، تعيرني بما أسمعه وما لا أسمعه ، ينتابني خجل من صغاري خلف الباب ، فأشعر بالحرج لعجزي عن إقناعهم بما أنا فيه معها ، كيف أشرح لهم أن أمهم والزمان عليّ ؟
أتألم أحيانا لصبرها على جنوني كل تلك السنين ، لكنني أبقى مصرا على حاجتي لحرّيتي مما يقيّدني بها ، ذات يوم ، انتهزت فرصة روقانها بين يدي ، ناسياً ما تَسمّعَتْه من كلماتي المتقطعة هاذيا باسم تلك المرأة الغريبة ، فهمست لها على سبيل المزاح ، برغبتي في الانفصال عن هذا العالم بكل ما فيه ، لم تنتظر كعادتها ربط حديثي بإحباطاتي السياسية ، فبادرت مرعدة غير مزبدة ، تسألني عن اختياري من البداية ربط مصيرها بهذا الخرف:خُذي كل ما نجحت في امتلاكه بعد ربحة العمر في هذه اليانصيب ، ألست تقولين بأني ما عدت أصلح لشيء بعدما وهن العظم مني ؟

أنفاسأحتاجُ البدء معكِ من الصفر , من أول درجات السّلم
أرّتــقي , درجـــة , درجــة
أقرأ ملامح وجّهكِ عن قرب..
أمنحيني الكرامة , الكبرياء , قوة العزيمة في الصعود
مدّت ذراعيها , تراقب بصّره المعلّق في الأعلـــى
في القمـة....
حمل دلوا يطفح بالذنوب , والعلــــلّ
همّــــت تعانق بزهو ضيفها الأثير,القــادم من قاع الليـل ....
تحميه , تخفيه بين الضلــــوع ....
سكّب الدلو ...وباغتها ...!!
انزّلقــت...

أنفاسفي صباح يوم الإجازة الباكر أحس منصور وهو بين الصحوة والنوم بزلزال عنيف يهز السرير هزات قوية ، وما هي سوى لحظة كلمح البصر حتى عرف أن الهزات ليست ناتجة عن زلزال ، إنما عن زوجته سعدية لمّا أدارت جسدها الضخم إلى ناحيته ، ما إن رأى من تحت اللحاف وجهها الكبير الأسمر المتجهم بتكشيرة حادة حتى سحب اللحاف وطمر به رأسه الأصلع وأدار جسده إلى الناحية الأخرى ، وترك أذنه مرهفة إلى أي همسة أو كلمة تفلت من لسانها ، لسانها الذي لا ينام في صحوتها أو نومها ، وألذ شيء عند منصور في الدنيا كلها هو نوم الصباح تاركا جسده للدفء يسري به ويخدره حتى يشعر بتنميل يدغدغ مفاصله ، فترتخي عضلات جسده وتلين كالعجين ، وهو يتمنى أن تتحول الدنيا بكل أزمانها إلى صباح طويل لا يفنى .. مدت زوجته كفها وسحبت عنه اللحاف ، وأخذ فمها الممدود شبرين يطلق الكلمات ويصوبها إلى طبلة أذنه ..
- هيا .. انهض .. لا وقت لدينا !
لكنه بسرعة خاطفة سحب اللحاف ثانية وغطى به رأسه ، وضم جسده وقوّسه حتى انكمش إلى النصف ، وثنى ركبتيه حتى كادتا أن تغوران في بطنه ، واستمات كفه وهو يمسك بطرف اللحاف ويقبض عليه بقوة كالكماشة كأنه يخوض معركة حياة أو موت .. يا قاتل يا مقتول .

أنفاسجلست أصنعه ، لم يعد في الغرفة ما يشوب ، أنا فتحت نوافذها ومسحت كلّ الخيوط التي نسجها العنكبوت في الآونة الأخيرة ووضعت الطاولة الصّقيلة  في وسطها ولم أبق إلا هذا الحبر الداكن وهذا الورق الذي خشيت أن لا يحتويه لكني قدّرت أن أصنعه على مقاس معتدل موزون حتى لا أضطرّ إلى قطع العمل والبحث عن ورق آخر ولن أضمن إذاك ما ذا يحدث وما إذا سيكون الورق وفيا كالذي لديّ واللحظة هي اللحظة التي تنتابني فيها رؤاي هذه ،إذ لا بدّ إذا أتيت 
  محترفي هذا من أفق رحب يحتلّ كل رأسي فيه عصافير بيضاء لا مرئية وهبوب ريح يحرّك جريد نخل أراه موغلا في البعد كلّما حاولت أن أمسك به لكني مع ذلك أحسّه حاضرا  حتى أنه يلامس خدّي كلّما رفعت رأسي أو أحنيتها..قلت لو كان لي زجاج وكنت من الذين يحسنون الرّسم لكنت حفرته بخيوط رقيقة ، أحبه شفافا بقامة متداخلة مع السحاب أو أني خزافة لصنعته على هيئة نورس غاضب أو على شاكلة زورق بوجه آدمي .ولكني لست من أصحاب اللّون ولا أصابع لي تتقن تشكيل الخزف الحي .
قلت أصنعه على الورق بمزاجي ، سيكون غير موغل في الطّول أخاف يوم الأحد ولا قصيرا كعمر سنونوة ، سيكون بين بين أرجوحة ممتدّة من دهشتي الأولى إلى  يوم نكبتي بعد أن تعلّمت الحساب .

أنفاستسلل الأنين عبر نافذتي ,كان حادا وحزينا,ينقطع كلما انهمر المطر غزيرا يصفع الإسفلت والجدران...
الليل مظلم وموحش,الزقاق ملأته البرك المائية...
ارتديت معطفي وساقني الأنين إليها.لم أألفها مقيمة بهذا الركن...
شرع السيل يجرف كل شئ ,قطع الكرتون التي كانت تفترشها ,أطراف ثوبها الرث التي تتلوى كشرغوف وسط سيل يصر أن ينتزعها.
برزت نحافتها عندما تبلل ما عليها,غائرة العينين ,ناتئة الوجنتين, وجهها قطعة من ألم يحمل وشما غائرا يمتد من الذقن عبر تجاعيد العنق  ليرتبط بعروق الصدر البارزة...
دنوت أساعدها كي تغير مكانها.
عاد المطر غاضبا كالسياط.
تشمعت أطرافها, ساقاها بدتا لمومياء زمن غابر...حركت جفنيها ببطء شديد,رموشها جمعها البلل ...بلل دموع أغلب الظن...
أجفلت لما دنوت,للا رحمة ,تلك التي كانت تدرع الأزقة وعلى كتفها زرابي وأغطية صوفية,صوتها يجلجل الزقاق حين تلجه...
توقف المطر وتوقفت الريح كذلك,سرى دفء بعد هذه الزوبعة...

أنفاسما من شيء يجرؤ على تغيير تفاصيل وجهي المجعد ، وما من شيء يمكنه أن يحجب عيوني المبتدئة عن شوارع المساء ... إلا غيمة تائهة في لجة السماء ، أو شمس ترسم ابتسامتها بصمت كشفاه مطعونة بالحرمان.
أجزائي متناثرة في اللامكان وفقدت بعضها في اللازمان...لم أعد أطيق عيون الشارع تزيل ملامحي بدهاء ، ولم أعد أطيق عيوني محدقة فيما أستره عن أعين الناس ..فقط أحاول أن أعيش بلا نهاية ،فلازلت أحاول التعلق بعنوان ... فكانت نبرات قهقهته تعصف بالمكان فقط في حدود الجدران ... وعيونه تصرعني شفقة أو حرمان ...
لم تصبني بعد جرثومة الفتيات .. ولن أكون الرجلَ .. رجلُ الميناء..لأني عالم بلا مسميات ...
لازلت أؤمن أن الشمس ستشرق بكل اللغات ،لأنه لازال من يستحق تلك الحياة ،وان كانت تتزين الأرواح بباقات الظلام ...
لن أستطيع أن ألخص القصة لأني احتاج لمساحة تضمني بكل ما أحمله من أجزاء ،والضوضاء التي أشغلها بحروفي يملها حتى الفراغ .
لن أتحدث عن أرض أو أرصفة ساكنة ،أو بحر تائه أو بنايات مرهقة ، أو أي شكل جزئي للأجساد ...لأني لازلت أحاول أن أوحد بين الأرواح ،ولكن ابتسامتي تتوارى خلف حفنة تراب ....

مفضلات الشهر من القصص القصيرة