
ولكن الحدث الذي وقع ، ويستحيل على من حضره وعاينه وعايش مراحل وكيفيات حدوثه، أن يشك في وقوعه إلا إذا مسه مس ؛ هز ركنا من أركان وجوده هزا عنيفا ، وألحق بمداركه تلفا أصاب أسس جدرانها الضابطة.
يستحيل على العاقل أن يفسر كيف وقع ذلك، ومن هم أبطاله ؛ وما هي دواعيه و أسبابه، ولكنه وقع بالفعل في صبيحة ذلك اليوم ، كانت صبيحة مشرقة ، مشعة ، دافئة تمنح الكائنات إحساسا بمتعة تتغلغل إلى أعماق الأعماق ، وتنساب بين حنايا الكون تفتح لها طرقا حيث يصعب على الأحلام أن تمد أرجلها ، حتى ليخيل إليك أن هذا اليوم سيكون له شأن كشأن الأيام القليلة التي حفرت التاريخ وأطرت توجهه.
كان الاستمتاع بروعة الصبيحة باديا على الجميع، الواعي ، والبهيمة ، والنبات بل حتى مياه النهر المجاور كانت منتشية تبث رذاذ المن والسلوى، توزعها يمنة ويسرى مندفعة على سجيتها ؛ صافية رقراقة تناغي ضفافها لاغية كأنها تخاف أن تفضح أشجار التوت سر نشوتها.