anfasse17063وسم الأستاذ بشير عمري في مقال له معنون "من الاستعجال إلى الاستعجام: الأدب الجزائري بين أزمتي الوطن والدولة"، منشور بموقع "أنفاس"، تناول فيه قضية التّجاذب بين الأديب والسّلطة بسبب المشاريع المختلفة لكليهما، لكنه ركّز على ما اصطلح عليه في خلال العشرية الدّموية بـ"الأدب الاستعجالي"، الذي حسب رأيه هو "إسهال غير مسبوق للخيال الفنّي لجيل مصدوم من الواقع"، والحقيقة أنّ الإشكال الذي يطرحه "أدب الاستعجال" وفق التّسمية التي رمي بها، يطرح عدّة إشكالات منهجية ووظيفية، لأنّ وظيفة الأديب تكمن في مواكبة الحدث الذي يأخذ باهتمام الذّات الفردية أو الجماعية، من حيث علاقة الحدث بمصير الكيان الاجتماعي ووجوديته، فالحكم التّعميمي بوصف إنتاجية نصية توثّق لمرحلة حاسمة وخطيرة في حياة مجتمع ما، لابد وأنّه يخلو من الموضوعية التي تستلزم على الأقل القراءة لمجمل المنتج كوثيقة تؤرّخ فنّيا للمرحلة، وهذا يقودني إلى أن أعتبر أن إطلاق وصف "الاستعجال" على نص العشرية الدّموية مردّه إلى عملية تصفية حسابات مع نص انخرط في التواشج المخيالي مع الأزمة في حينها، ولهذا، ولغياب تقاليد التّعامل مع النص الحاضر في راهنه وراهن المشكل القائم، تغيب عن العقل المتابع أو النّقدي التّسميات المصاحبة لطبيعة الحركة النصية، إذ لماذا لم نهتم نقديا وفنّيا بنص المرحلة أو نص الأزمة؟

anfasse10071   تقديم
     تَهْدِفُ دراستُنا للبنى السَّردية المشكلة لقصيدةِ ( الملحون ) المعروفة ب ( فاطمة) إلى إبراز مكونات هذا العمل من خلال علاقات ووظائف نسقه اللساني ، كما أنها تسعى إلى وضعه ضمن سياق الخطاب الشعري المغربي الحديث .
     يَسْعَى عملُنا التَّحليلي لهذه القصيدة أيضاً إلى البحث عن الروابط الموجودة بين الدَّوالِ والمدلولات النصية على المستوى الصوتي ، والصرفي ، والتركيبي والمعجمي ، والدلالي والبلاغي الجديد بغية الوقوف على عمليات التماسك النصي الكلي الموجودة بين أجزاء العمل المدروس ، لذلك فإننا سنحاول الكشفَ عن جل الخصائص الجمالية والوظيفية لهذا الإنجاز الشعري لكي نعرف مستوى اتساق عناصره تركيبيا ودلاليا بالاعتماد على الأصوات ، والايقاعات ، وحركات العناصر التي تشكل هذا (( الإنتاج النصي )) بأكمله . 
    تَرتبطُ البنى السَّرديةُ الموجودة في شعر ( الملحون ) المغربي بعدةِ أنواعٍ أخرى تشكل الخطاب السردي الذي يساهم في بناء الشعر المغربي الحديث . إن تحليل قصيدة ( فاطمة ) بصورة بنيوية داخلية مغلقة ، وربطها ببنى نصية كبرى مفتوحة يمثلُ رؤيةً تحليلية خاصة بنا تتشابك فيها عدة بنى تركيبية ، ودلالية ، وتداولية .
    يعتمدُ الخطابُ السردي المشكلُ  للأعمال الشعرية المغربية الحديثة على ثلاثة عناصر تربط بينها علاقات ووظائف وشيجة ومتحركة :
    1   _  الأحداثُ / الأفعال المحركة للأعمال الإبداعية .
     2    _  الشخصياتُ / الأصواتُ .
    3    _  المواقفُ / السياقاتُ .
       يُمثلُ النَّص الشعري في قصيدة ( فاطمة ) بالنسبة لنا ممارسةً تداوليةً تحركها قوانين نسق لساني متداخل العناصر والمكونات التي تربط بينها علاقات متنوعة .

anfasse27055تقديم
    يَرْتَبِطُ هذَا العملُ بباكورة مشروعنا اللساني الخطابي ( النصي ) الذي نشرنا منه صفحات وفصولا متعددة ، وترجمنا أخرى مضارعة عن اللغة الفرنسية والإنجليزية في مطلع ثمانينيات القرن المنصرم بالمغرب ، وكانت تظهر أسبوعيا بالملاحق الثقافية للجرائد المحلية ( 1 ) ، وناظرنا ساعتئذ ثلة من النقاد والأنداد المتخصصين ، وكذلك العازفين عن تقبل قطاع تحليل الخطاب والبلاغة (( الجديدة )) ، والسوسيولسانيات ، والسيكولسانيات بالمغرب ، وهو ما جعل بعضهم يتشيعُ إلى ما يشبه (( لسانيات الزاوية )) التي كانت تقتدي بثلاثة طرائق متمايزة ومهيمنة : البنيوية ( الشكلية / المحايثة ) ، و التوليدية ( التحويلية ) ، والتداولية ( الوظيفية ) التي استقطبت في ديارنا بعض المريدين والحواريين الذين لم يستوعبوا مكونات مسارنا اللساني / الخطابي الجديد في تلك الحقبة الثقافية من تاريخ المغرب ( 2 ) .
بلاغة الحوار والحجاج في الخطاب التجاري المغربي
    يُمَثِّلُ هذَا الفرعُ البلاغي ، المشكل للخطاب التجاري المغربي بالنسبة لنا ، كل أنواع الجدل الذي يدور باستمرار بين التجار وزبائنهم المتنوعين .
  إنَّهُ نسقٌ نصي يُعالجُ مكونات الحوار التجاري المغربي وأخلاقياته وطرائق اشتغاله ، وهو ما يدرجه ضمن (( نظرية الإقناع )) persuasion theory البلاغية التي تستند في مشروعنا إلى مجال نسقي متكامل ، لأنه يضم كل الأبعاد اللسانية والتداولية التي تؤلف بين لسانيات النص والسيمائيات .
   تَتَعَدَّدُ الأعمالُ والتوجهاتُ البلاغية الجديدة في العالم الغربي والعربي ، لكننا مازلنا نركز باستمرار في مشروعنا العلمي ، منذ ثلاثين عاما ، على الجانب النصي والسيميائي ( 3 )  .
    تَتَقَصَّى (( حلقةُ الحوار ))loop dialogue في الخطاب التجاري المغربي  العمل الوضعي الذي يأخذ بعين الاعتبار الزبائن والمشترين بمختلف مداركهم ، ونزعاتهم ، وأغراضهم ، ومشاركاتهم المختلفة في المناظرات ، والصراعات ، وأنواع (( الجدل التجاري )) ، وتعبيرهم عن ميولاتهم النفسية .

anfasse15056ككثيرين، فرحتُ بفوز فلسطين بجائزة ما، بغض النظر عن ملاحظاتي على جائزة البوكر السنوية، ومعاييرها الأدبية والتقييمية لمستوى الأعمال الأدبية المشاركة.
اشتريتُ نسختين من رواية "مصائر: كونشيرتو الهولوكوست والنكبة" – للفلسطيني ربعي المدهون، أهديتُ إحداها لصديقة، والثانية لأقرأها، فنتناقش فيها لاحقاً.
قالت صديقتي من سيقرأ الرواية سيُحبُّ فيها أمراً واحداً فقط؛ جرأةُ كاتبها ووضوحُ دعوتِه لنا بأنه بالإمكان نسيان حق العودة، وبالإمكان العيش المشترك مع الإسرائيلي، وأنه بالإمكان التعاطف مع فكرة أن الإسرائيلي هو ضحيةٌ الهولوكوست النازي، هو مثلنا ضحية.
هكذا كما قالت صديقتي، يقول بطل الرواية في واحدٍ من مشاهدها، حين يُصر على زيارة متحف الهولوكست المطل على بقايا قرية دير ياسين، التي حسمت مذبحتُها احتلال أرضنا في عام 1948، فيقول: ".. بدي أشوف دير ياسين من هناك. بدي أشوف كيف الضحايا بشوفوا الضحايا." (ص 182، ط 1، 2015).

anfasse15054       إنه من البخل الفكري وفقدان الكياسة ان تقرأ عملا ادبيا محترما يشدك ويأسرك في عوالم مختلفة ويحررك من أصنام عدة، ان تنتهي منه ولا تخط اسطرا فذلك غبن لصاحبها، خصوصا وهي تفرض نفسها عليك فرضا وما عليك سوى أن تطلق العنان لعقلك وقلمك. كان هذا حالي عندما كدت انهي رواية الطلياني وأنا اقول في دواخلي على هذا القلم المجنون ان يتوقف الآن، انه يكتب أشياء بالنيابة بعدما فشلنا نحن على تجميعها في هكذا قالب ادبي. أستسمح الكاتب الذي اشبعته سبا في داخلي كلما اضحكني مقطع او وجدته مسليا فكريا، مثلما اسب صديقا عزيزا علي وأنا امازحه عندما يقول شيئا يعري ويفضح به عورة الواقع.
     امام هذه الحالة وعلى طول الرواية وجدت ان الكاتب - ويبقى هذا مجرد تأويل – يستند إلى مرجعية وثقافة فلسفية واسعة، تجعل من الرواية عملا فلسفيا راقيا. خصوصا وأنها رواية تحتفي بالفلسفة في الشخصيات. فقد جعل زينة طالبة ثم مدرسة للفلسفة، وصورها على اساس انها تجسيد مادي لخصائص الفكر الفلسفي "ثورية، لا تسلم بشيء، النقد سبيلها، مثقفة وتشد الحاضرين في نقاشاتها...".  وجعل السارد طالبا ثم مدرسا للفسفة، وعبد الناصر المناضل هواه فلسفي رغم انه طالب حقوق وصحفي بعدها، بالإضافة الى احداث اخرى تحتفي بالفكر الفلسفي في الرواية.
 

anfasse15052 لعلّي لن أضيف شيئا جديدا إن ذكّرت بأنّ الروائي والمسرحي والشاعرالأيرلندي الكبير صموئيل بيكيت (Samuel Beckett)هو أحد  أبرز الأدباء العالميين وأشهر الكتّاب المسرحيين الطليعىيين في القرن العشرين. فقد عاش حياة مفعمة بالمجد ونال شهرة واسعة طبَّقت الآفاقَ. ويعود الفضل في هذه الشهرة بالأساس إلى انخراطه في الكتابة ضمن ما يعرف بمسرح اللامعقول أو مسرح العبث بما هو مسرح اللاّمكان واللاّزمان وغياب الأحداث. وقد تبدّى ذلك بصورة جليّة منذ كتابته سنة 1948 لمسرحيّته الشهيرة التي نال بها جائزة نوبل للآداب وعنوانها "في  انتظار غودو "  (En attendant Godot) التي كانت باكورة إنتاجاته في مجال المسرح العبثي-. وهي مسرحيّة تخوض بعمق في قضيّة الإنتظار الذي قد يطول دون أن يحلّ -أو يظهر وفق الرواية الدينيّة سواء في الإسلام أو في المسيحيّة أو في اليهوديّة-  من كان محلّ انتظار الآخرين. بما يجعل فعل الانتظار عموما ضربا من المعاناة الإنسانيّة الصعبة وشكلا من أشكال العذاب الذي قد لا ينتهي، رغم ما يحمله هذا الإنتظار، في بعض ردهاته، من أمل مهما كان ضئيلا. إنّ مجرّد إلمامات سريعة بالمسرحيّة المذكورة، تفيدنا بأنّها قائمة على مشهدين و5 ممثّلين أهمّهم "فلاديمير" و"ستراجون" (Vladimir et Estragon)، وهما من المشرّدين المعدمين اللذين كانا جالسين قرب شجرة  تكاد تكون عارية من الأوراق على طريق ريفية بأرض جرداء. وقد مكثا على هذه الحال على مدى يومين كاملين في إنتظار شخص يدعى "غودو". ذلك أنّه كان يمثّل بالنسبة لهما كلّ الأمل في الخلاص  من حالة التشرّد والفقر والحزن والحيرة واليأس والغربة والجوع ونحو ذلك من تعبيرات الشقاء والألم والتيه والضياع في هذا العالم الرحب الذي يداس فيه الضعيف تحت الأقدام دون رحمة ولا شفقة ممّن يشعرون بوهم القوّة. وهي تعبيرات تترجم بحقّ وبصدق مرارة الواقع المعيش البائس والتعيس، بعد أن تغيّر سلّم القيم السياسية والإجتماعية والدينية.

anfasse15051توطئة
يمثل مفهوم السيميولوجيا موقعا مركزيا في الأبحاث و الدراسات التي تندرج في مجالات البحث اللساني، لاسيما بعد النجاح الباهر الذي اللسانيات حققته في دراساتها للغة، إذ كان لذلك أثره البالغ في حقل الدراسات المرتبطة بالتحليل السيميولوجي. و يبدو لنا ذلك في السعي إلى تأسيس صرح سيميولوجي يستمد مفاهيمه دراسة و تحليلا من مجالات البحث اللساني؛ حيث نعاين بجلاء كون التحليل السيميولوجي يبتدأ مما انتهت إليه جهود اللسانيين في علم اللغة.
من هذا المنطلق، نجد رولان بارط يعتبر السيميولوجيا فرعا معرفيا من علم عام هو اللسانيات، و ذلك على اعتبار أن هذا الفرع الجديد ينبغي أن تكون مكوناته متجانسة مع الثنائيات الأساسية لعلم اللغة. كما أن كل مظاهر السلوك و الأشياء خاصة و الصور التي تؤثث عالم الظواهر الإنسانية عامة تعكس خطابات متعددة تبلغ رسالتها بواسطة أنظمة مختلفة، حيث اللغة واصفة الأنظمة المتباينة. و يتجلى هذا الأمر في المصطلحات و المفاهيم الموظفة من قبل الباحث بمؤلفاته، و التي اصطفاها من اللسانيات و استانس بها في تفكيكاته السيميولوجية.

anfasse08053العنوان كما هو متفق عليه عتبة النص وبوّابته التي يمكن الولوج من خلالها إلى مفاصل المتن ومحتواه ..بل يمكن اعتباره البوصلة التي توجّه القارئ إلى النص سرديا كان أو شعريا وهو النواة المكثّفَة التي يمكن للنص أن يتمدد وينتشر من خلالها ويفتح بوابة التأويل وتلقي  الدلالات والإشارات التي تسبق النص ..إشارات تستفز الفضول وتضيء الطريق أمام المتلقّي ..
إن أول ما شدني إلى هذا القصيد هو هذه التركيبة الجديدة المحفزة التي ورد عليها العنوان .."وداعا أيّها الجفن الأخضر " ..الجفن في أحسن أحواله وسلامته لايختلف إثنان في لونه الوردي الصافي .. وأما في أسوإ حالاته فيتقرح ويتحول لونه إلى الحمرة ..
ولكن هذا الجفن أخضر ..فماذا أراد شاعرنا لطفي عيادي بهذه الصورة المبتكرة ؟ هل نحن أمام لوحة فنية أرضيتها "هلال خصب" يكسوه الدمقس بسخاء وفخار أم هو يعرض علينا مشهدا سرياليا يرسم عيْنا مكتظة بدموع خضراء وكونا تبادلت فيه الكائنات وظائفها وألوانها وأصواتها؟ قد يفاجئنا النص بالمزيد.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة