تؤكد لنا حركة التاريخ، أنه لا يمكن لنا النظر إلى مشاهد التحولات السياسية التي تطرأ على أي مجتمع من المجتمعات، بمعزل عن التحولات الاجتماعية_المعرفية التي تحدث بداخلها، فالثورة البلشفية _على سبيل المثال لا الحصر_ لم تكن لتنجح في سياق الواقع لو لم يؤسس لها كل من "ديستويفسكي" و"بوشين"، كما هو حال الثورة الفرنسية التي جاءت انعكاساً لأقلام كل من "فولتير" و"مونتسكيو" و"جان جاك روسو"، كما ينسحب ذلك على مجمل التحول التطوري الذي طرأ على أوروبا منذ الثورة الصناعية إلى اليوم، وهذا إن كان يدلل على شيء، فهو يدلل على أن التحول الاجتماعي_المعرفي، يغدو لزاماً بل شرطاً لكل تحول سياسي، يشكله، وينتجه، ويشير إليه، وهذا يذكرنا بمفهوم "الحرية" في فلسفة "كانت"، كما هو مفهوم "الثورة" في فلسفة "هيجل"، أي أن كليهما مجاله الفكر، وما أن يصطدما بالواقع، حتى يحكمهما عالم الضرورة..
من جانب آخر، وبرؤية معاكسة، ومن خلال عرض الاجتماعي على ضوء مشهد الصراع السياسي، نقف أمام واقع مجتمعنا العربي، ونتأمل، فنجد أنه ثمة إرثا ثقافيا ساهم في فرز وعي مؤطر وجامد، لا يزال يعيد إنتاج ذات مشهد الخنوع والرضوخ السياسي العربي، وذلك منذ القرن الثامن الهجري تقريباً، مروراً بما فعله المغول والتتار، والعثمانيون، ثم الاستعمار الغربي، والصهيونية العالمية، انتهاء بما نعيشه اليوم من أحداث ما يسمّى "ثورات الربيع العربي" التي لعبت دور حصان طروادة، وذلك بما حملته من ملفات العدوان والتآمر الغربي على وطننا العربي..
تاريخ الصراع الجيوبولوتيكي حول الصحراء في المغرب 5/5 : احتمالات ورهانات ـ حمودة إسماعيلي
لوضع حد للنزاع الإقليمي، ورداً على دعوات إيجاد حل لأزمة الصحراء، قدّم المغرب مقترحا للأمين العام للأمم المتحدة حول المبادرة بالتفاوض بشأن نظام للحكم الذاتي لجهة الصحراء، وذلك بتاريخ 11 أبريل 2007.
دعت الأمم المتحدة كلا الطرفين للتعاون لإنجاح المقترح، لكن البوليساريو رفضت المشروع على اعتبار أنها الممثل الوحيد لساكنة الأقاليم الصحراوية مشيرةً إلى أن قضية الصحراء ـ من جهتها ـ هي قضية تصفية استعمار ينبغي حلها على أساس تمكين شعب الصحراء من حقه الشرعي في تقرير المصير عن طريق الاستفتاء. الأمر الذي عطل من وتيرة إيجاد حل للنزاع مسببا ركودا وفشلا على مستوى التفاوض. الجزائر من جهتها كذلك طالبت الأمم المتحدة بالتدخل لإنهاء الاستعمار وتمكين الصحروايين من حقهم في تقرير المصير ـ كتبني للطرح البوليساري.
وقد أكد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على «مصداقية وجدية المقترح المغربي» لحكم ذاتي موسع للصحراء الغربية، تحتفظ فيه الدولة المغربية "باختصاصات حصرية، خاصة منها ما يلي :
تاريخ الصراع الجيوبولوتيكي حول الصحراء في المغرب 4/5 : الأبعاد الجيوسيكولوجية للصراع ـ حمودة إسماعيلي
لوضع حد لمناوشات البوليساريو ـ التي اتبعت سياسة حرب العصابات ـ بالحدود الصحرواية لفرض الذات ككيان سياسي له حق في إدارة الأقاليم الصحرواية ما خلق شوشرة بالمنطقة، تم بناء جدار دفاعي عازل من طرف المغرب لوقف التأثير السلبي من جهة الجبهة المدعومة من طرف الجارة الجزائرية ـ بهدف ـ زعزعة الاستقرار القائم بالمنطقة الأمر الذي يلمس الأمن الداخلي للمغرب، وهو المسعى السيكولوجي للجزائر منذ حرب الرمال، وسنرى العوامل النفسية الدفينة وراء ذلك.
وكرد فعل من جهة المغرب على التصعيد العسكري الذي اتخذته الأطراف في النزاع ـ البوليساريو في الواجهة والجزائر خلفيا بالدعم ـ تقرر إنشاء الجدار العازل لحماية المنطقة وأمن الأقاليم. ف" بناء جدار الصحراء يعتبر أهم قرار عسكري اتخذه المغرب في هذا الملف. وبدأ المغرب بتشييد هذا الجدار الرملي سنة 1980 عبر مجموعة من المراحل، وانتهى منه سنة 1987، وبعد بناء 2200 كيلومتر من هذا الجدار، تغيرت إستراتيجية الصراع على الصحراء لصالح الجانب المغربي"(1).
أكذوبة المغالاة في حبّ الوطن وتراجيديا الإنسان العربي ـ فتحي الحبّوبي
قد كان لي وطنٌ أبكي لـ نكبته ... واليوم لا وطنٌ عندي ولا سكنُ
ولا أرى في بلادٍ كنت أسكُنها .... إلا حُثالة ناس قاءها الزمنُ" .
معروف الرصافي ( 1875م - 1945م)
ليس هناك في بلاد العرب "إلا حُثالة ناس قاءها الزمنُ"، هكذا قال معروف الرصافي شاعر العراق وكلّ العرب منذ أكثر من سبعة عقود من الزمن، في رؤية استتشرافية شديدة الوضوح، تحاكي وتتماهى مع واقع العرب اليوم ولا سيّما منهم السياسيين على وجه التحديد والتخصيص . حيث أنّه باستغباء واستخفاف مفضوح بذكاء الشعوب العربية، وفي محاولة بائسة ويائسة لاستبلاهها، يدّعي الكثير من السياسيين العرب أنّهم ابتلوا بالمغالاة في حبّ الوطن منذ نعومة أظفارهم بما يجعل هذا الحبّ يسري في عروقهم كمكوّن أساس لدمائهم "الملوّثة بفيروس الفساد والخيانة". فيما هم في حقيقة الأمر والواقع، قد ابتلوا بالمغالاة في حبّ ذواتهم على حساب الوطن الذي نكب، بالتأكيد، وابتلى بوجودهم أيّما نكبة وابتلاء . فهؤلاء السياسيون"محترفو التجارة بالوطنيّة " إنّما ابتلوا بالمغالاة "بكفاءة واقتدار"، في نهب الوطن كلّ حسب ما تيسّر له وما استطاع إلى النهب سبيلا. لذلك فالوطن العربي كان ولا يزال وسيظلّ على الأرجح، واقعا بين مطرقة نهب ساسته، محترفي الدجل والنصب من أبنائه "الوطنيين " المغالين في حبّ نهبه لا في حبّه كما يزعمون، وسندان الأطماع والديون الخارجيّة التي ستؤدّي به إلى إستجلاب المستعمر المتربّص به على الدّوام بمساعدة هؤلاء المغالين في حبّ الوطن إلى حدّ خيانته والتآمر عليه وفق مقولة "ما زاد على الحدّ إنقلب إلى الضدّ".
تاريخ الصراع الجيوبولوتيكي حول الصحراء في المغرب 3/5 : ـ جبهة البوليساريو ـ حمودة إسماعيلي
مع بداية عقد السبعينيات، شهدت منطقة الصحراء نزاعا مصعدا بين المستعمر الإسباني من جهة، والأطراف المطالبة بأحقية السيادة على المنطقة من جهة أخرى : متمثلة في دولة المغرب وموريتانيا والجزائر، هذه الأخيرة فقط كداعم لحق الشعوب في الدفاع عن استقلالها وتحرير أراضيها. فاستمر التصعيد مع استمرار المستعمر الإسباني في رفض تسليم الصحراء والتخلي عن سياسة الاستعمار التعسفي. ف"رفض إسبانيا تخليها عن إقليم الصحراء كان يبرره منطق واحد، هو مخطط هذه الأخيرة حول إنشاء دولة مستقلة ذات حكومة محلية تحت وصاية وسيطرة إسبانية"(1).
بهذا، وإثر إحالة كل من المغرب وموريتانيا لملف القضية إلى محكمة العدل الدولية (1974) مع التساؤل حول الروابط التاريخية للمنطقة جغرافيا، وما تبعه من رد المحكمة (1975) المشوش حول القضية بتحفظها عن تأكيد تبعية المنطقة للسيادة المغربية، أعلن العاهل المغربي في خضم ما نتج عن ذلك ـ يوم 5 نوفمبر 1975 ـ عن تنظيمه لمسيرة وطنية شعبية لعبور منطقة الصحراء تأكيدا لمغربيتها سميت بالمسيرة الخضراء. "وبعد أربعة أيام على انطلاق المسيرة الخضراء بدأت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين المغرب وإسبانيا للوصول إلى حل يضمن للمغرب حقوقه على أقاليمه الصحراوية وفي 14 نوفمبر 1975 وقع المغرب وإسبانيا وموريتانيا اتفاقية"(2). وهي اتفاقية مدريد التي تم بموجبها "إنهاء الوجود الإسباني على الأراضي نهائيا قبل 28 فبراير 1976"، مقابل "إشراكها (إسبانيا) في استغلال مناجم فوسفات بوكراع، وبقاء أسطول صيدها البحري في المياه الإقليمية الصحراوية، وبضمان قاعدتين عسكريتين لها قبالة جزر الكناري"(3). فسارعت كل من الدولتين المغربية والموريتانية لضم المناطق الممنوحة حسب الاتفاقية المذكورة بسيادة المغرب على ثلثي المنطقة وموريتانيا على الثلث الجنوبي، والذي سرعان ما تخلت عنه اثر الاشتباكات بينها وبين الجيش الشعبي لتحرير الصحراء (التابع للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب «البوليساريو» : المطالبة بتأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية):
تاريخ الصراع الجيوبولوتيكي حول الصحراء في المغرب 2/5 : ما بعد فترة الاستعمار ـ حمودة إسماعيلي
كسياسة احتواء للمقاومة الجزائرية، قامت فرنسا بفرض ضغوط على الدولة المغربية إثر دعمها للمقاومين الجزائريين، من خلال رسم مقنن للحدود بين البلدين حسب "معاهدة للا مغنية وهي تقييد إلزامي للمملكة المغربية سنة 1845 بعدم دعم المجاهدين الجزائريين. يأتي هذا الإلزام بعد تعنت من السلطان المغربي ضد مطالبة فرنسا المتكرر له بالكف عن دعم المجاهدين ضدها بالجزائر"(1). ولأهداف توسعية ذات مصالح اقتصادية قامت السلطة الاستعمارية الفرنسية بزيادة ضم أراضي حدودية مغربية لخريطة الجزائر.
باستقلال المغرب، طالب هذا الأخير باسترجاع الأراضي التي ضمتها السلطة الفرنسية للجزائر، غير أن الاقتراحات التي اشترطتها فرنسا كتفاوض حول الموقف تم رفضها من طرف المغرب على اعتبار أنها تضر بمصالح الجارة الجزائرية. على إثر ذلك تم الاتفاق ـ من جهة المغرب ـ مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية (1958 - 1962) التي تم تشكيلها كتنفيذ لمقترح المجلس الوطني للثورة لأجل التفاوض حول مطلب الاستقلال وإعادة هيكلة الدولة. لكن مع تغير رموز السلطة بالحكومة الجزائرية إثر تنحية فرحات عباس من الرئاسة (1961) ثم استقالة بن يوسف بن خدة بعده من نفس المنصب (1962) وتولي أحمد بن بلة لرئاسة البلاد (1963) وما شهده الموقف من تصعيد لأزمة الحدود بين البلدين أسفرت عن اشتباكات مسلحة بالمنطقة، تم فتح فجوة في العلاقات السياسية بي البلدين أخذت شكل عدوان مباشر، نتيجة فشل التفاوض ورفض المقترح المغربي باستعادة الحدود. فسارعت التحالفات الدولية ـ المنقسمة سياسيا ـ لجذب الطرف الأقرب ميولا نحوها : بعرض المساعدات على الجزائر من طرف الكيانات الاشتراكية، وعلى المغرب من طرف الحلفاء الغربيين. الأمر الذي رسم بوضوح شكل العلاقة بين البلدين وسلط الضوء على أبعادها، في الفترة التي تلت حقبة الاستعمار.
تاريخ الصراع الجيوبولوتيكي حول الصحراء في المغرب 1/5 : كرونولوجيا الصراع ـ حمودة إسماعيلي
قبل سقوط الفاشية متمثلة بأبرز أنظمة (دول) المحور على رأسها النظام النازي بقيادة هتلر Hitler، "وجد الأمريكان والسوفيات والبريطانيون فجأة أنهم يحاربون عدوٍّا مشتركًا، وهي الحقيقة التي أخذت صورتها الرسمية مع إعلان هتلر الحرب على الولايات المتحدة بعد يومين من الهجوم على بيرل هاربر Pearl Harbor. تدفق ما يزيد عن أحد عشر مليار دولار من المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة إلى الاتحاد السوفييتي خلال الحرب، وهو ما يمثل أكبر تجسيد ملموس لحس المصلحة المشتركة الجديد الذي جمع بين واشنطن وموسكو"(1).
أعلن هتلر الحرب على الاتحاد السوفياتي (روسيا)، ليتلقى مركز قيادة القوات المسلحة السوفياتية تقريرا عن بدء غزو القوات الألمانية للحدود السوفياتية وهي ما يعرف بعملية بارباروسا Unternehmen Barbarossa يوم 22 يونيو من سنة 1941. بعدها ب5 أشهر وفي نفس السنة ـ يوم 7 دجنبر 1941 ـ شنت اليابان هجوما على الولايات المتحدة الأمريكية عبر تنفيذ غارة جوية أدت إلى تدمير قاعدة بحرية بميناء بيرل هاربر بجزيرة أواهو (هاواي)، ما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في الحرب العالمية الثانية بإعلان الحرب على اليابان في 8 دجنبر 1941. بعد ذلك بسنة كانت القوات الأمريكية قد حطت الرحال بالأراضي الأوروبية للمساعدة في ردع العدوان الألماني التوسعي الممارس على بريطانيا.
حرية المعتقد بين العقل والنقل ـ اسماعيل فائز
على سبيل التمهيد :
إن إثارة موضوع الحريات الفردية عامة، وحرية المعتقد خاصة في مجتمعاتنا الإسلامية لا يمكن تصنيفه في باب الترف الفكري، أو مضيعة الوقت، بل إنه ضرورة ملحة تدخل ضمن سيرورة بناء المجتمع. وأحيانا لا يكون البناء إلا عبر الهدم، هدم الأفكار والمقولات الجاهزة التي تستولي على القلوب والعقول .
نعتقد أن بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي يقتضي الدفاع عن حقوق الإنسان، والعمل على احترامها. وقد ينازعنا البعض في مشروعية طرح هذا الموضوع لاعتبارات عدة يمكن إدراجها تحت مسمى "الوصاية" سواء الفكرية أو الدينية أو الاجتماعية. وحتى نبسط الإشكال بوضوح، ويسهل علينا وعلى القارئ تتبع الخيط الناظم للموضوع، سنسترشد بالتساؤلات الآتية :
ما المبررات التي تضفي المشروعية على إثارة موضوع كهذا في مجتمعاتنا التي تعيش استبدادا سياسيا وأزمات اقتصادية واجتماعية؟ ثم هل ينبغي فعلا الدفاع عن حرية المعتقد؟ ولماذا؟ وهل انتصر الإسلام، فعلا، لحرية المعتقد؟ ماذا بشأن الأحكام الفقهية التي توجب قتل المرتد في الإسلام؟...هذه إذن ثلة من الأسئلة التي نروم في هذه الورقة تسليط الضوء عليها، ومناقشتها بغية بلورة إجابة تظل بدورها قابلة للنقاش.